استقبلت مصر في السنوات الماضية صنوفا مختلفة من اللاجئين والمهاجرين، الرابط بينهم التشبث ببصيص أمل في قاهرة المعز، يبقيهم على قيد الحياة، بعد أن ضاقت بهم بلادهم وتقطعت سبلهم.
غير أن مصر باتت تستقبل مؤخرا مهاجرين ليسوا ضحايا للفقر والاستبداد، كما هو سائد، بل ضحايا لانحراف الطبيعة المصحوب بالإهمال الحكومي، كما هو الحال مع المهاجرين السودانيين الذين توافدوا على مصر في السنوات الماضية، نتيجة للفيضانات الشديدة التي ضربت ولايات سودانية، وتسببت في تجريف قرى بأكلمها، فضلا عن وفاة وإصابة العشرات.
محمد أبو القاسم أحد أولئك الذين وفدوا إلى مصر العامين الماضيين بعد أن خسر منزله وأرضه في جنوب دارفور، جراء تكرار الفيضانات وسقوط الأمطار.
وتعد وسط وجنوب وغرب دارفور أكثر الولايات تضررا، حيث تضررت المباني العامة والشركات والأراضي الزراعية، ودمرت الأمطار الغزيرة والفيضانات حوالي 8,900 منزل وألحقت أضرارا بـ 20,600 منزل في 12 ولاية.
وتفيد تقارير أممية بأن الفيضانات أثرت على 238 مرفقا صحيا، كما تضرر أو جُرف 1,560 مصدرا للمياه وأكثر من 1,500 مرحاض.
انتظر أبو القاسم بضعة أشهر بعد غرق منزله على أمل العثور على ملاذ جديد في وطنه، لكن صبره نفد من التباطؤ الحكومي إلى أن قرر الارتحال إلى مصر، لينضم إلى غيره من المنكوبين، والباحثين عن حياة جديدة.
كان قرار أسرة أبو القاسم بالرحيل إلى مصر مدفوعا بالعديد من الأسباب، حيث اشتدت عليهم الظروف الاقتصادية نتيجة للوضع السياسي غير المستقر في السودان منذ إسقاط حكم البشير وتولي المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد.
“لم أخطط قط لمغادرة السودان طيلة حياتي لكن بعد خسارتي منزلي في الفيضانات لم أعد أمتلك ما أبكي عليه وبلادي تعاني على صعيد مستويات كثيرة لذا كانت خطوتي ضرورية لبدء حياة جديدة حتى وإن كنت كبيرا في السن” يروي أبو القاسم دوافعه لـ “أصوات إفريقية”.
وصل أبو القاسم إلى مصر في النصف الثاني من العام المنقضي، قاصدا منطقة حدائق المعادي، جنوب القاهرة، إحدى التجمعات السكنية المكتظة بالسودانيين، حيث يتجمع غالبيتهم بمناطق فقيرة لا يزيد سعر بدل السكن بها عن 50 دولارا.
رغم ضمانه المأوى، لكن لا يبدو الرجل الخمسيني مستقرا في إقامته بالقاهرة حيث تزداد الأوضاع المعيشية صعوبة في مصر في ظل حالة ارتفاع الأسعار المستمرة في الأشهرة الأخيرة، فالقاهرة تعيش واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية، خسر الجنيه معها الكثير من قميته أمام الدولار، وسط توقعات باستمرار تأزم الأوضاع الاقتصادية طوال عام 2023.
مع ذلك، تظل مصر الوجهة الأفضل، حيث يشير تقرير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن العمل هو أحد الأسباب الرئيسية للبقاء في مصر، إذ يمثل العمل المنزلي الوظيفة الرئيسية لعدد كبير من المهاجرين من بنجلاديش وإريتريا وإثيوبيا وإندونيسيا والفلبين ونيجيريا والسودان وجنوب السودان وسريلانكا.
تبين دراسات منظمة الهجرة الدولية والبيانات، التي جمعتها عبر السفارات، أن أكثر من ثلث المهاجرين في مصر (37٪) يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، مما يشير إلى أنهم يساهمون بشكل إيجابي في سوق العمل ونمو الاقتصاد المصري.
شغلت قصة مهاجري المناخ مؤتمر الأطراف المناخية الذي استضافته مصر بمدينة شرم الشيخ “كوب 27″، حيث روي الطفل السوداني أسعد البالغ من العمر ثلاثة عشر عاما، قصة نجاته من الفيضانات والسيول التي ضربت السودان الصيف الماضي في الفترة من مايو وسبتمبر.
بدأت الحكاية حينما كان أسعد يلعب مع ابن خالته في فناء منزله في ريف السودان، وفي لحظة سقطت جدران المنزل وأُصيب ابن خالته إصابة بليغة في قدميه؛ بينما أصيب أسعد بخدوش في ذراعيه وفقد وعيه. ليستفيق بعد ذلك داخل مستشفى بدائي ويخبروه أن الفيضان دمر منزله.
هاجر أسعد من السودان إلى مصر بسبب كوارث تغيرات المناخ من فيضانات وسيول ضربت جميع أنحاء السودان. يمثل أسعد واحدا 349،000 شخص تضرر من التغيرات المناخية في السودان، وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في 17 أكتوبر 2022. وتدمر ما لا يقل عن 24،860 منزلًا وتضرر 48،250 منزلًا في 16 ولاية من أصل 18 ولاية.
وأفاد المجلس القومي للدفاع المدني عن مقتل 146 شخصًا وإصابة 122 آخرين منذ بداية موسم الأمطار في يونيو من العام الماضي.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في 14 أغسطس/آب الجاري تضرر نحو 136 ألف سوداني بمختلف أنحاء البلا جراء الأمطار الغزيرة والسيول منذ يونيو/حزيران 2022.
وغالبا ما يواجه السودان فيضانات شديدة في مثل هذا الوقت من العام، إذ يبدأ موسم الأمطار عادة في يونيو ويستمر حتى سبتمبر.
ضحايا الهجرة المناخية
شاع مصطلح الهجرة المناخية في السنوات الماضية بعد ما خلفته التغيرات المناخية والظواهر الطبيعية من نزوح وانتقال السكان من مواطنهم الأصلية إلى مناطق أخرى، داخل وخارج بلدانهم.
ولم يوضع بعد تعريف قانوني مقبول دوليا للأشخاص المهاجرين بسبب التغيرات المناخية، لكن المنظمة الدولية للهجرة وضعت تعريفا لوصف المهاجرين البيئيين، فعرفتهم بأنهم أفراد أو مجموعات تختار أو تضطر لمغادرة بيئتها المعتادة إلى أخرى داخلية أو خارجية، لأسباب تتعلق بالتغير المفاجئ أو التدريجي في المناخ، إما بشكل دائم أو مؤقت.
في هذا السياق، تتوقع منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، أن يتجاوز مهاجري المناخ حاجز المليار والنصف بحلول عام 2050.