منعنا الغرب من استكشاف وقودنا “حماية للبيئة”.. وعاد لإجبارنا على زيادة الإنتاج ” حماية لمصالحه”

آخر الأخبار

اشترك في قائمتنا البريدية

حتى عام مضى، لم توفر الدول الأوروبية أي دعم للدول الإفريقية لتطوير الاستكشافات الوقود الأحفوري، والاستفادة منها لخدمة التنمية المحلية، تحت ذريعة أن هذا الوقود يساهم في زيادة الانبعاثات الكربونية ويفاقم من الأزمة البيئية، لكن مع أزمة الطاقة الخانقة التي تعرضت إليها أوروبا جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير الماضي، هرعت القارة العجوز إلى القارة السمراء لتكون مزودا بديلا لها بالنفط والغاز وحتى الفحم، بدلا من روسيا، لإنقاذها من تداعيات الشتاء القارس.

في نهاية سبتمبر الماضي، لم تستطع وزيرة البيئة في جنوب إفريقيا، باربرا كريسي، أن تخفي غضبها تجاه هذا الهرع الأوروبي لإجبار القارة الإفريقية إلى زيادة إنتاجها من الوقود الأحفوري لخدمة مصالحها، لتقول:

“الدول نفسها التي كانت تنتقد بلادها بسبب الاستهلاك الكبير من الفحم، هي من تشعل الكثير من الفحم في الوقت الحالي، أليس هذا نفاق؟”

على مدار أعوام، واجهت جنوب إفريقيا انتقادات من الغرب بسبب الاستهلاك الضخم من الفحم، خاصة في إنتاج الكهرباء، والذي يفاقم من أزمة الانبعاثات الكربونية. لكن خلال النصف الأول من عام 2022، الذي شهد اندلاع الحرب الروسية، تغيرت المعادلة، فالدول التي كانت تنتقد جنوب إفريقيا بسبب هذه الممارسات، زادت من واردتها من الفحم، من هذه الدولة، بمعدل 8 أضعاف، بعد تطبيق الحظر على الفحم الروسي في إطار العقوبات المفروضة على موسكو، بحسب بيانات الصادرات لجنوب إفريقيا.

هرع غربي على الطاقة

خلال السنوات السابقة، دعت دول إفريقية الدول الغربية دعم استكشافات الغاز والبترول في القارة، لخدمة التنمية المحلية، لاسيما وأن أكثر من 600 مليون إفريقي لا يزالون بدون كهرباء حتى الآن (ما يقرب من نصف عدد سكان القارة)، إضافة إلى تدهور قطاعات إنتاجية مثل الصناعة جراء هذا الوضع. ظلت آذان الغرب صماء أمام هذه الدعوات. يدور الزمن، وتجد أوروبا نفسها أمام أزمة طاقة، فتسارع إلى القارة الإفريقية لنجدتها. من السنغال إلى الجزائر ونيجيريا وغيرها، أصبحت هذه الدول هي المورد البديل للغاز والبترول إلى القارة الأوروبية، بعدما حثتها هذه الأخيرة إلى زيادة إنتاجها إلى أقصى مدى لتوفير احتياجاتها الطارئة جراء قطع روسيا للغاز.

في 17 نوفمبر الماضي، خرج رئيس شركة “إيني” الإيطالية، كلاوديو ديسكالزي، ليوجه الشكر إلى دور الجزائر المنقذ لبلاده في وجه أزمة الطاقة، مؤكدا أن روما باتت تواجه الشتاء بشكل أفضل، بدعم الجزائر. منذ يوليو الماضي، لا يتوقف المسؤولون الإيطاليون عن توجيه الشكر إلى الجزائر، بفضل هذا الدور الذي لعبته لتكون مورد بديل للطاقة لروما بديلا لموسكو.

على مدار النصف الثاني من العام، أصبحت العاصمة الجزائرية محط زيارات المسؤولين الإيطاليين، بعدما وجدوا أنفسهم أمام أزمة طاقة خانقة وغلق روسيا لأنبوب الغاز انتقاما على العقوبات ضدها. الجزائر التي طالما تم تجاهل أي مشروعات تنموية فيها في مجال الطاقة من قبل أوروبا، باتت محط زيارات متتالية وتودد غير متوقف من قبل السياسيين والقادة الإيطاليين. في 18 يوليو، وقعت إيطاليا على اتفاق مع الجزائر لزيادة ضخ هذه الأخيرة من الغاز إلى روما، بقيمة 4 مليار دولار. تحولت الجزائر إلى المورد الأول للغاز إلى إيطاليا.

وبالنسبة لحاجة الجزائر من الطاقة؟ ستساعد إيطاليا البلد في الحصول على الطاقة، لكن من مصادر متجددة فقط، التي لا تسبب انبعاثات كربونية. بعد يومين من توقيع اتفاقية زيادة ضخ الغاز الجزائري إلى روما، أعلن رئيس الوزراء الإيطالي حينها، ماريو دراجي، أن الشراكة مع الجزائر ستشمل تطوير مصادر الطاقة المتجددة وخاصة الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح. طاقة متجددة تكلفتها أعلى للجزائر، بينما إيطاليا تستفيد من الغاز الجزائري للتدفئة وتشغيل مصانعها بأعلى قوة.

لم تقتصر إيطاليا على الجزائر فقط في سد حاجتها من الغاز، إذ وقعت اتفاقات لتوريد الغاز المسال مع غينيا برازافيل وأنجولا ومصر، بالتوازي مع هذا الهرع الإيطالي إلى الجزائر، وجهت ألمانيا وفرنسا أنظارها إلى مورّد إفريقي آخر، أعلنت الاكتشافات الأخيرة أن أراضيه مليئة بالغاز، هو السنغال. في نهاية مايو الماضي، أطلق المستشار الألماني، أولاف شولتز أول جولة إفريقية منذ توليه المنصب، ضمت ثلاث دول وهي السنغال والنيجر وجنوب إفريقيا، لمناقشة ملف واحد: توفير الطاقة لبلاده.

مع وصوله إلى السنغال، أكد شولتز اهتمام بلاده بتطوير مشروع استغلال الغاز في هذا البلد. للمرة الأولى تجد السنغال نفسها أمام هذا الاهتمام الغربي، رغم دعواتها المتتالية للمساعدة للاستفادة من هذا الغاز لتنميتها الداخلية وتوفير الكهرباء لمواطنيها. تظهر إحصاءات البنك الدولي أن 30% من الشعب السنغالي لا يزال بدون كهرباء. ليس مهم للغرب هذه الإحصاءات، المهم هو توفير التدفئة لمواطنيهم.

على الفور، تدفقت الاستثمارات الألمانية لإقامة البنية التحتية لاستخراج الغاز بأسرع وقت ممكن من الحقل الضخم المكتشف شمالي السنغال، تأمل برلين أنه بحلول الشتاء القادم، تكون قد تلقت الدفعات الأولى من هذا الحقل، الذي من المتوقع أن ينتج 2.5 مليون طن في عامه الأول.

نيجيريا دولة الغاز الذي لا يستفيد منه شعبها

خلال الشهور الأخيرة، أخذت نيجيريا مكانة هامة على قائمة الدول المصدرة للغاز إلى أوروبا، بعد توقف تدفق الغاز الروسي للقارة الباردة. أصبحت نيجيريا في المرتبة الرابعة كأكبر مورد للقارة الأوروبية، وبنسبة تصل إلى 40% من إنتاج هذا البلد.

مع تفاقم أزمة الغاز في أوروبا، سارع سفراء الدول الأوروبية للقاء وزير الموارد النفطية، تيميبر سيفا، في منتصف أبريل الماضي، لطلب من السلطات النيجيرية بضخ مزيد من الغاز ورفع نسبة نيجيريا من هذا الوقود المتدفق إلى أوروبا من 14% إلى الضعف، لكن خلال اللقاء، شرح الوزير النيجيري أن بلاده يمكنها أن تلعب هذا الدور، شريطة أن تعمل الشركات الغربية، بينها “إيني” الإيطالية و”توتال إنرجيز” الفرنسية على زيادة استثماراتها في البلاد.

 تمتلك نيجيريا احتياطيا ضخما من الوقود الأحفوري. فالدولة الواقعة غرب إفريقيا، تعد المنتج الأكبر للنفط في القارة السمراء، بمعدل 1084 مليون برميل يوميا، إضافة إلى مخزون هائل من الغاز. ورغم هذه الوفرة الهائلة من الوقود في نيجيريا، إلا أن الشعب لا يستفيد بها، جراء انخفاض الاستثمارات فيه والفساد المستشري في هذا القطاع، إضافة إلى تواطئ السلطات مع الشركات الغربية التي ستدر بعملة صعبة للبلاد.

تكشف الأرقام الأخيرة التي نشرها البنك الدولي عن أن نسبة السكان الذين يحصلون على الكهرباء في نيجيريا لا يتعدى 55.4% خلال عام 2020، في تراجع بالمقارنة بعام 2017، والتي كانت 56.5% من الشعب. لا تعطي الدول الأوروبية اهتمام لعدم وجود كهرباء في نيجيريا ولا الاستثمار لتحسين الوضع هناك، لكن المهم الحصول على الغاز اللازم لها.

هدية مسمومة لإفريقيا؟

ينتاب القادة الأفارقة السعادة من الإقبال الأوروبي على شراء الغاز، والذي قد يوفر دخلا إضافية لبلادهم التي تعاني من الفقر ونقص الخدمات، لكن يكشف قبول هؤلاء القادة لهذا الطلب الأوروبي، عدم الاكتراث للجوانب البيئية لعمليات الحفر، وكذلك عدم السعي للاستفادة المحلية من هذه الموارد الطاقوية.

 وشبه ناشطون بيئيون هذه الرغبة من الدول الأوروبية باستغلال غاز القارة الإفريقية بـ “هدية مسمومة”.

في تقرير نشرته صحيفة “دير شبيجل” الألمانية، أوضحت أن الدول الأوروبية التي كانت دائما ما تلقي محاضرات على إفريقيا لعدم استغلال الوقود الأحفوري، باتت تصطف وتنتظر الغاز المتدفق من السنغال وغيرها من الدول، موضحة أن الكثير من المهن باتت مهددة بهذا الطمع الأوروبي للوقود الإفريقي، إضافة إلى تحذيرات من تبعات بيئية خطيرة.

يظهر تأثير ذلك واضحا في شمالي السنغال، ففي مدينة سانت لويس السنغالية القريبة من الحدود مع موريتانيا، يخوض الصيادون معركة غير متكافئة مع مجموعة من الشركات النفطية العملاقة، بقيادة بريتش بتروليوم، التي بدأت في إنشاء العوامات المعدنية تمهيدا لاستخراج الغاز، بعد اكتشاف احتياطي هائل من هذا الوقود في المنطقة.

منذ وصول الشركات الأجنبية لهذه السواحل، أصبح مصير مئات الصيادين المحليين مهددًا. يعد صيد الأسماك في سانت لويس، أكثر من مجرد مصدر دخل، فهو جزء من الحياة العامة وثقافة المواطنين، لكن الآن، بات من الصعب الوصول إلى البحر. تسير السلطات السنغالية فرقاطات خفر السواحل لمنع الصيادين من النزول مجددا إلى الماء. ترى السلطات أن اكتشاف الغاز فرصة هائلة للبلد، خاصة مع ارتفاع الطلب من الدول الأوروبية، لاسيما من ألمانيا، وأن ما يحدث هو تغير مرحب به، بالنسبة لبلد لطالما طلبت تمويل من دول أخرى لمساعدتها في توفير الطاقة لمواطنيها، لكن لم تتلق أي مساعدات.

لكن هذا التحول يهدد القارة التي تعد الأكثر تأثرا بتبعات التغير المناخي، كما يشكل خطوة للوراء فيما يتعلق بأهداف خطة باريس في التعامل مع الانبعاثات الكربونية.

يشير الباحثون إلى أن السواحل السنغالية لطالما تم اعتبارها محميات طبيعية للحياة البحرية وموضوعة على قوائم اليونسكو، كما تضم واحدة من أكبر مستعمرات الشعاب المرجانية، الأمر الذي قد يدمر كل هذه المنطقة مع بدء إنشاء عوامات استخراج الغاز وخطوط النقل.

وحذر ناشطون من أن الحفر من أجل الغاز على السواحل السنغالية والموريتانية سيكون لها تأثير كارثي على صناعة الصيد المحلية، وعلى الشعب وتوفير الوظائف، وكذلك على الطبيعة، لكن كل ذلك لم يمنع الغرب من السعي بشدة للتنقيب عن الغاز في إفريقيا، بدعوى أنه لا بأس من تجاهل حماية البيئة أحيانا حال تعارضها مع مصالحه.

Facebook
Twitter

أحدث المقالات

سواحل تونس تتحول إلى مقابر مع تزايد غرق قوارب المهاجرين
وشهدت تونس في السنوات الماضية تدفق الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين يحدوهم الأمل إلى العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط
سائرون على الأشواك.. نازحو تيغراي: نخاف العودة للوطن ونخشى الموت خارجه
وفقًا للأمم المتحدة، تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص ما يزالون نازحين داخليًا بسبب حرب تيغراي
أروى صالح.. أتطلع داخلي فلا أجد سوى مقبرة جماعية
خُصوصيّة المأساة عند جيل خاض تجربة التمرّد، هي أنه مَهما كان مصير كلّ واحد مِن أبنائِه، سَواء سار في سكة