من الأرجح أن تكون رأيت فيديوهاتهم بالصدفة خلال تصفح “قصص” فيسبوك، أو موقع يوتيوب، وعجبتك رقصة ثلاثة أطفال أفارقة يرقصون بحماس، مع ابتسامة رائعة على وجوههم الصغيرة، وهم يهزون سيقانهم على إيقاع أغنية مفعمة بالحيوية، مع حركات راقصة عفوية تأسر القلوب.
وربما أيضا شاهدت رقصتهم على أنغام أغنية “Calm Down” لسيلينا جوميز، التي اقتحمت الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي خلال العام الماضي. أنهم Masaka Kids Africana، الذين تخطت شهرتهم إفريقيا وبلغت العالم بأسره.
Masaka Kids Africana، ليس اسم فرقة موسيقية كما يتوقع البعض، لكنه اسم منظمة خيرية غير حكومية، مقرها في منطقة Masaka في أوغندا، ترعى الأيتام، وسميت بـ”ماسكا” تيمنا بالقرية التي توجد فيها، وتستخدم المنظمة الغناء والرقص كجزء من تمكين الأطفال لتحسين حياتهم والحصول على حقوقهم.
في إفريقيا، يعد الرقص والغناء نوعًا من الاتصال ويشكلان معًا جزءًا من الاحتفالات الرئيسية، مع الطبل الإفريقي، الذي يشار إليه أيضًا باعتزاز باسم “قلب المجتمع”، هو الأداة الأكثر أهمية لأنه “يعكس الحالة المزاجية للناس وعواطفهم”.
الرقص والغناء سلاح أيتام “إفريقيا” للحياة
يعبر الأطفال في Masaka Kids عن مشاعرهم من خلال الأغاني الأصلية التي يختارها الفريق في المنظمة ليغنيها ويرقص عليها الأطفال، الذين يلمسون بابتساماتهم وحركات الرقص “المرحة” الجمهور عبر مواقع التواصل المختلفة، ليتلقوا مع كل أداء ترحيبًا حارًا من ملايين المتابعين.
الصغار “كاجوا جونبوسكو وكاكوزا محمد 6 أعوام والأمير سونا أيان، 5 سنوات”، حكوا خلال زيارة ترويجية لهم تفاصيل معاناتهم وأقرانهم في البلد الإفريقي، الذي يعيش فيه أكثر من 20٪ من الأوغنديين تحت خط الفقر، وفقًا لتقرير البنك الدولي في عام 2019، فأكثر من 2.4 مليون طفل في أوغندا أيتام نتيجة الفقر المدقع ووباء فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” وسنوات من الصراع.
وضع أغلب الأطفال في أوغندا وإفريقيا عمومًا، يمكن اختصاره في أنهم يعيشون في غرفة أو “كوخ” صغير به فتحات من كل الاتجاهات، وسقف لا يحمي من شمس إفريقيا الحارقة أو أمطارها الغزيرة، دون أثاث أو مئونة غذائية “تقريبًا”، بصحبة والدين أحدهما أو كلاهما مريض وعلى وشك الموت، لتفاجئ في الصباح أو المساء أنك وحدك وقد رحل الأب والأم.
بعد لحظات الوداع تبدأ رحلة أغلب الأطفال التي نشاهدها عادة في الأفلام السينمائية أو مقاطع الفيديو حيث ينتشرون في الشوارع غير الممهدة بملابس ممزقة لا تغطي شيئًا وأقدام “حافية” تمزقها الحجارة في الطرقات أحيانًا بحثًا عن مأوى أو طعام، وجميعهم بحاجة إلى مساعدة.
طفل شارع يساعد أقرانه
الوضع المأساوي لأطفال أوغندا، دفع مؤسس Masaka Kids Africana، سونا حسن، الذي كان يومًا من أطفال الشوارع، إلى تأسيس المنظمة التي تضم حاليًا نحو 25 طفلًا منتمين إلى 10 قبائل، لمساعدة الأطفال في إفريقيا عمومًا وأوغندا خصوصًا.
يقول سونا: “لدينا أكثر من 25 طفلاً، فقدوا أحد والديهم أو كليهما ومروا بأسوأ التجارب التي يمكن أن يواجهها طفل في العالم. نحن نهتم بهم جميعًا ولدينا برنامج يسمى برنامج تمكين المجتمع يعتني بنحو 200 طفل، من خلال توفير الطعام لهم، بالإضافة إلى مساعدتهم على الذهاب إلى المدرسة”.
مؤسس Masaka Kids Africana، سونا حسن، عانى هو الآخر من الحياة في الشارع سابقًا ليعمل مع فريقه على مساعدة الصغار لعدم تكرار تجربته السيئة
تلتزم Masaka بمساعدة الأطفال الفقراء في أوغندا وتمكينهم من خلال توفير “المأوى الآمن والطعام والملبس والتعليم” والرعاية الطبية”، مع التركيز بشكل خاص على التعليم، وتستخدم المنظمة “الرقص والغناء” لتمكين الأطفال، بحسب “سونا”.
يضيف: “عندما يرانا الناس على وسائل التواصل يعتقدون أننا نرقص ونغني فقط، لكننا نقوم بأنشطة ثقافية أخرى، فليس جميع الأطفال لديهم نفس الإمكانات للرقص والموسيقى، هناك من يجيد كرة القدم، أو الخياطة أو النجارة أو تربية الدواجن، لذا فأنشطتنا الثقافية الأساسية تشمل هذا الأشياء أيضًا”.
أوبري دريك يتفاعل مع الأطفال
مقاطع الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي والتي بدأ نشرها عام 2018، لاقت تفاعلًا كبيرًا في الشهور الأخيرة ووصل عدد متابعيهم إلى نحو 5 ملايين متابع عبر “فيسبوك”، و3.3 مليون بـ”يوتيوب”، بالإضافة إلى 6.8 مليون عبر “إنستغرام”.
الانتشار الحقيقي للأطفال بدأ مع نشر مغني الراب، أوبري دريك غراهام، تحدي الرقص للأطفال “Toosie Slide” على قصة Instagram الخاصة به، ليتفاعل مع رقصة الأطفال أكثر من 65 مليون متابع على “إنستغرام”. صرح سونا حسن، بأن المنظمة تلقت 120 ألف متابع على إنستغرام ومئات الدولارات من التبرعات بعد تفاعل دريك مع المقطع.
خلال العام الماضي حققت قناة Masaka Kids Afrikana، عبر “يوتيوب” أرباحًا تقدر بـ1.3 مليون دولار خلال العام الماضي، لتدخل ضمن قائمة أفضل 10 قنوات على “يوتيوب” في القارة الإفريقية، وتأمل المنظمة في استمرار
أطفال Masaka في خطر
يبين موقع المنظمة أن مهمتها تتمثل في “إنقاذ الأطفال في أوغندا الذين يتضورون جوعًا أو المحتاجين بهدف توفير “بيئة محبة وآمنة حيث يمكنهم النمو جسديًا وعقليًا وعاطفيًا وروحيًا”، لكن الواقع الذي نعيشه يشير إلى أن أحلامهم تبدو في خطر مع انتشار استغلال ماركات عالمية ودول للمشاريع النشطة خصوصًا في إفريقيا لخدمة أهدافها غير الإنسانية.
الأطفال قدموا مؤخرًا إعلانًا لصالح شركة “لاوتو باودر” -شركة أوغندية لإنتاج لبن البودرة مملوكة لشركة بيرل ديري وهي شركة أوغندية أمريكية- المخجل في القصة ليس الإعلان عن منتج معين ولكن إعلان الأطفال عن لبن مضر بصحتهم دون إدراكهم لخطورته على صحتهم.
بعض الدول والماركات العالمية التي تنتهك يوميًا حقوق الإنسان داخل وخارج إفريقيا بدأت مؤخرًا محاولة جديدة لتحسين صورتها السيئة.
موقع “onltmyhealtg”، عدد في تقرير منشور في عام 2020 فوائد لبن الأم بالنسبة للطفل، واحتوائه على جميع الفوائد الغذائية التي يحتاجها الصغير، منوهًا أيضًا إلى أن الحليب المجفف ليس مفيدًا بالقدر الكافي للأطفال لأنه لا يحتوي على الأجسام المضادة التي تقوي جهازه المناعي.
وأشار الموقع إلى أن “اللبن البودرة” لا يسهل هضمه بالنسبة للطفل ويستغرق وقتًا أطول وقد يتقيا الطفل بعد تناوله لأنه مسحوق صناعي، فضلًا عن ضرورة أن يكون استخدامه وتحويله إلى سائل دقيقًا جديدًا لما يمثل عكس ذلك من خطورة على صحة الصغار.
أيضًا دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تواجه اتهامات متكررة بانتهاك حقوق الإنسان والعمال، بدأت استغلال أطفال ماساكا، بعد النجاح الذي حققوه من خلال دعوتهم مؤخرًا إلى القرية العالمية في دبي، في رحلتهم الأولى على الإطلاق إلى دولة الإمارات- ليبدأ الحديث عن مدى إدراك القائمين على المنظمة لسجلات العلامات التجارية والدول التي تنتهك حقوق الإنسان، وإمكانية أن يقعوا في فخهم من أجل جني “المال”.
أخلاق الأغنياء “غير موثوقة” أبدًا
الحالتان السابقتان، يتشابهان جزئيًا مع انتهاك سابق قامت به “الصين” ضد أطفال أفارقة، فكشف تحقيق سري أجرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC كيفية استغلال شركات صينية، للأطفال الضعفاء في إفريقيا لإنتاج مقاطع فيديو عنصرية.
الصين هي الأخرى استغلت أطفال إفريقيا من أجل إنتاج مقاطع عنصرية للترويج لمنتجات طبية تنتجها الشركات الصينية مستغلة جهلهم وجهل أسرهم باللغة الصينية.
أظهر الفيلم الوثائقي، كيف باع صانعو المحتوى الصينيون مقاطع فيديو لأطفال في ملاوي أجبروا على ترديد إهانات عنصرية ضد السود باللغة الصينية.
في أحد مقاطع الفيديو التي جرى تصويرها في فبراير 2020، وجه مجموعة من الأطفال الأفارقة في دولة ملاوي، بصوت خارج الكاميرا، لترديد عبارات “أنا وحش أسود ومعدل ذكائي منخفض” باللغة الصينية، وهو ما فعله الأطفال بابتسامات وحماس دون أن يدركوا معنى ما يقولون.
وكشف الفيلم، أن الفيديو لمخرج صيني يشتبه في أنه يصنع مقاطع فيديو بعنوان “معدل الذكاء المنخفض”، جرى تصويرها في ضواحي ليلونجوي ، عاصمة ملاوي، بمساعدة صحفي صيني قام بالتصوير متخفيًا، وسجل الرجل الذي يعبر عن سلسلة من الآراء العنصرية حول الملاويين والسود بشكل عام.
وبين الفيلم الوثائقي أنه جرى تصوير مئات المقاطع المماثلة، وأنه يجرى بيعها من خلال Weibo وHuoshan، من بين تطبيقات صينية أخرى لمشاركة الفيديو، وأنه تتراوح أسعار المقاطع بين 10 دولارات أمريكية و70 دولارًا أمريكيًا.
وأوضح فيديو جديد صورته هيئة الإذاعة البريطانية أن الكلمات التي يقولها الأطفال ليست عنصرية بمفردها ولكنها غالبًا ما تكون عبارة عن أمنيات أو إعلانات طيبة للشركات الصينية، مشيرًا إلى سوء التفاهم الثقافي والفقر الريفي والاستغلال العنصري دعم صناعة الفيديو، بناء على حديث بعض العائلات المشاركة في أنشطة المخرج.
تأمل منظمة Masaka Kids Africana الاستمرار في التأثير على حياة الأطفال في أوغندا وإفريقيا بشكل عام، لكن الرغبة المستمرة لجمع المال لهذه المساعدة، قد تقود لمزيد من استغلالهم في المستقبل.