بحالة مزرية، وبوعي غائب، جاءت زينب إلى أحد جمعيات الدعم النفسي للسودانيين الفارين من الحرب في بلادهم باتجاه مصر. نظرة واحدة إلى وجهها، تجدها كائن بلا روح، شخص على قيد الحياة عبر التنفس فقط، لكن لا ابتسامة أو تغير تعابير وجهها، أو نظرة فضولية هنا أو هناك.
في منتصف شهر حزيران/ يونيو، وصلت زينب-، صاحبة الثمانية عشر من عمرها، إلى مصر، برفقة أهلها، قادمة من الخرطوم. يعرف أهلها ما مرت بها، ويحاولون مساندتها وإخراجها مما تعاني منه. قبل أيام من مغادرتها للخرطوم، تعرضت الفتاة للاغتصاب من بعض مقاتلي الدعم السريع، بعد أن وجدوها تسير وحيدة في الشارع. كان الوضع مهيأ لعملية قذرة منهم. لا أحد في الشارع، بينما الفتاة خرجت لشراء بعض الاحتياجات الأساسية للمنزل. انقضوا عليها، كفريسة أمام حيوانات مفترسة. ارتكبوا فعلتهم بعنف وتركوها ملقاة في الطريق.
لم تظن زينب أن جسدها، سيصبح يوما ساحة للمعركة بين الطرفين المتقاتلين، الكل يتصارع على استباحة الجسد، لإثبات قوته أو ترهيب داعمي الطرف الآخر.
مع الحرب، تصبح كلمة الوطنية مائعة ومتحركة. يرى الجنود المقاتلون أنهم أكثر وطنية من غيرهم، باختلاف المعسكر الذي يقاتلون فيه، وأنهم لديهم الحق في استغلال كل ما هو موجود، من بينها أجساد المواطنين والنساء. أحدهم جسد زينب. يندفع هؤلاء الجنود لإثبات رجولتهم على أجساد هؤلاء النساء، بعض الحالات تكون اغتصاب جماعي.
ساحة حرب على جسد النساء
منذ بدء الحرب، استقبلت جمعية “أحلام الافرو آسيوية” في القاهرة، سبعة حالات لفتيات تعرضن للاغتصاب من مقاتلين في الحرب في السودان بينهن أختين، قبل هروبهن إلى مصر.العدد على الأرض أكبر من ذلك.
تقول أحلام المهدي، رئيسة الجمعية، لأصوات أفريقية، “العديد من الفتيات والنساء تعرضن للاغتصاب في السودان مع غياب وجود القانون. النساء أصبحت الحلقة الأضعف في المعركة التي تجرى حاليا”، موضحة أن بعض هؤلاء الفتيات والنساء يصبحن حوامل.
وفي تقرير بتاريخ 7 تموز/ يوليو لمنظمة “إنقاذ الأطفال”، أوضحت المنظمة أن مقاتلين مسلحين يمارسون إعتداءات جنسية على فتيات في سن المراهقة، مشيرة إلى وجود حالات اغتصاب بـ “أعداد مقلقة”.
وأبلغت المنظمة باستناد لمصادر أنه يتم احتجاز فتيات لأيام، ويتعرضن لاعتداءات جنسية لفترات طويلة، مع وجود حالات اغتصاب جماعي للنساء والفتيات.
تبين أرقام الأمم المتحدة أن 4.2 مليون شخص معرضون لخطر العنف على أساس النوع خلال الحرب في السودان، مقارنة بثلاثة ملايين قبل بدء الصراع الذي اندلع في 15 نيسان/ أبريل الماضي.
ومنذ اسبوعين، أعلن المفوض الأممي لحقوق الإنسان في السودان، فولكر تورك أن ما لا يقل عن 57 امرأة وفتاة تعرضن للاغتصاب خلال الحرب، بينهن 20 سيدة في حادث واحد، ومعظمهن بواسطة الدعم السريع.
يبين فولكر أن وكالته تلقت معلومات موثقة “لـ 21 واقعة عنف جنسي مرتبطة النزاع في حق 57 امرأة وفتاة على الأقل، موضحا، “تعرضت 20 امرأة على الأقل للاغتصاب خلال حادث واحد”.
وفي 25 حزيران/ يونيو الماضي، حدثت ضجة في السودان بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، قيل أنه يظهر حادث اغتصاب لأحد الفتيات في شوارع الخرطوم.
ولاقى الفيديو تنديد واسع من منظمات حقوقية محلية ودولية، بسبب الانتهاكات المستمرة للنساء والفتيات والأطفال في السودان منذ انطلاق الصراع.
دارفور.. استباحة الجسد
مع اشتداد القتال في دارفور، جنوب غربي السودان، أصبحت المرأة ضحية رئيسية لهذا الصراع ووسيلة للانتقام.
تكشف بيانات رصدها موقع “راديو دبنقا” السوداني نقلا عن نازحين فارين من محلية طويلة شمال دارفور، أن ثلاثة حالات اغتصاب و١١ حالة إجهاض حوامل وقعن خلال الهجوم على المحلية، خلال يومي 18 و19 حزيران/ يونيو.
تشيرأحدالنازحات إلى أن المهاجمين – لم تذكر اسمهم–، لم يكتفوا بعمليات النهب للأموال والهواتف، ولكن انقضوا على النساء لاغتصابهن.
أعداد أقل من الحقيقي
بحسب مصادر لأصوات إفريقية، فإن العدد المذكور للفتيات والنساء اللائي تعرضن للاغتصاب هو أقل بكثير من الأعداد الحقيقية، لاسيما وأن الكثير من الفتيات أو النساء ربما يسكتن ولا يذهبن لتسجيل تعرضهن للاغتصاب، لغياب السلطة او خوف الافتضاح.
عامل آخر، هو الخوف من الانتقام من السلطة التي اغتصبتهن، لاسيما وإن كانوا يعيشن تحت سيطرتها، مثل حالة زينب، التي لم تسجل حالة اغتصابها لدى الأمم المتحدة.
من جانبها، توضح أحلام المهدي، إن إخراج الفتيات والنساء اللائي تعرضن للاغتصاب، من الحالة النفسية اللائي يعيشنها بعد الاغتصاب، هو أمر بالغ الصعوبة، لأنهم يعيشون صدمة نفسية بالغة، تستغرق الكثير من الوقت.
يتطلب علاج زينب نفسيا من الصدمة التي تعرضت لها، وقتا طويلا وصبرا من أسرتها. ربما تستطيع يوما الخروج من حالتها وأن تستعيد بسمتها، لكن ندوب روحها لن تفارقها طوال الحياة.
- تم تغيير اسم الفتاة إلى زينب، بناءا على طلب جمعية الأحلام الأفرو أسيوية