استطاع الجيش السوداني قلب المعادلة بشكل جزئي في المواجهات العسكرية المحتدمة أمام قوات الدعم السريع، في الحرب المندلعة بين الطرفين، فخلال الفترة الأخيرة، استطاعت القوات الرسمية السيطرة على غالبية العاصمة الخرطوم، بعد نجاحها في استرداد أم درمان.
يرجع هذا التحول في المعارك إلى الاستراتيجية الجديدة التي يتبناها الجيش السوداني، والتي تعتمد على سلاح فتاك حديث دخل المعركة: المسيرات التركية، بيرقدار. تعتمد الخطة – وفق محللين – على مهاجمة قوات الدعم السريع من الأطراف لتجميعهم في موقع، قبل استهدافهم بالمسيرات التركية. الخطة نفسها التي استخدمتها أنقرة في التصدي لهجوم قوات اللواء خليفة حفتر على طرابلس في ليبيا في ديسمبر الماضي.
في 14 أكتوبر الماضي، أعلن مسؤولون أمنيون سودانيون لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، تسلم الجيش السوداني صفقة طائرات مسيرة من تركيا تحت مسمى “مساعدة الجيش في تحقيق الاستقرار”. وصلت هذه المسيرات مصحوبة بخطط هجومية تركية لتأكيد نجاح هذا السلاح الفتاك ورغبة في وضع قدم ثابتة في القارة السمراء، مع تحول في الموقف التركي لصالح القوات الرسمية السودانية.
ورقة “التسليح” لتغيير دفة الصراعات
تسعى تركيا لمضاعفة عمليات بيع الأسلحة إلى دول إفريقيا، ومزاحمة الدول الكبرى التي تحتكر هذا السوق، فيما تسارع بعض الدول الإفريقية إلى شراء طائرات مُسيَّرة ومروحيات ومدرعات تركية، لمواجهة الاضطرابات الأمنية والحروب الأهلية.
في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، طلب قائد القوات الجوية النيجيرية المارشال (حسن أبوبكر) من الحكومة التركية عبر سفيرها بأبوجا هداية بيرقدار سرعة تسليم أنقرة المروحيات الست T-129 ATAK المتعاقد عليها منذ يوليو / تموز عام 2022 لمواجهة التمرد في الشمال الشرقي للبلاد، وكان من المقرر تسليم المروحيات في أبريل 2023 ولكن تأجل التسليم بحسب ما نشره موقع “Military Africa” في 14 أكتوبر الجاري.
وأضحت الطائرات بدون طيار والمُدرَعات وكثير من أنواع الأسلحة التركية المختلفة حاضرة بقوة في جيوش دول إفريقية من بينها نيجيريا والسودان والنيجر ومالي وتوغو والجزائر وإثيوبيا وروندا والسنغال، ويتزايد الطلب عليها يوما بعد آخر، وفق تقارير مراكز أبحاث عسكرية.
ساهم التأثير الذي حققته الأسلحة التركية ولاسيما مسيرة “بيرقدار” في حروب وصراعات في العديد من دول العالم، بداية من الحرب الأذربيجانية الأرمنية وكذلك استخدامها بواسطة إثيوبيا تجاه المتمردين في تيغراي في لفت انتباه الدول الإفريقية إلى الفاعلية الكبيرة لهذه الأسلحة، ودورها في تغيير دفة الصراع.
وتقدر مبيعات الأسلحة التركية بمبلغ 4.5 مليارات دولار، وتستهدف أنقرة الوصول بنهاية العام إلى 6 مليارات دولار، وفقًا لتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال رسالته للمعرض الدولي لصناعة الدفاع IDEF’23 الذي أُقِيم بإسطنبول فى 23 يوليو / تموز 2023.
وفقًا لدراسة للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية Stiftung Wissenschaft und Politik/SWP نشرت في 25 يونيو 2022 فإن صادرات أنقرة من الأسلحة إلى إفريقيا تضاعف بأكثر من 5 أضعاف في عام واحد، إذ ضاعفت أنقرة صادراتها من الأسلحة إلى حلفائها في القارة السمراء من 82.981 مليون دولار في عام 2020 إلى 460.6 مليون دولار في عام 2021.
ويقول أبوبكر الديب الخبير الاقتصادي بالمركز العربي للدراسات لـ “أصوات إفريقية”: إن عام 2023 شهد ارتفاعًا كبيرًا في مبيعات الأسلحة لإفريقيا بعد تزايد الصراعات المسلحة والتمرُّدات والانقلابات، ما ساهم في وصول حجم المبيعات إلى 6 مليارات دولار التي صرح بها أردوغان بزيادة قدرها 2 مليار عن العام الماضي، وكان الجزء الأكبر نتاج المبيعات في القارة السمراء.
ويرى الدكتور سامح الجارحي أستاذ الدراسات التركية بجامعة القاهرة، في حديثه لـأ”أصوات إفريقية” أن السياسة الخارجية لتركيا في إفريقيا ألقت بثقلها على تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري مع حلفائها في القارة، وهو ما ساهم – بالإضافة إلى الانقلابات والصراعات الدائرة – في تضخم حجم الصفقات العسكرية بين أنقرة ودول القارة السمراء.
وأضاف الجارحي أن برنامج التعاون العسكري التركي يشمل أيضا تقديم المساعدة التكنولوجية والتدريب، وتبادل الخبرات مع الدول الإفريقية لتطوير القدرات الوطنية في استخدام الطائرات المسيرة “الدرونز”.
ويقول أبوبكر الديب إن من أسباب الإقبال المتزايد للمشترين الأفارقة للأسلحة التركية أنها ذات جودة عالية وفعالة وذات تكلفة منخفضة، فالطائرات بدون طيار تعمل على تطوير قوة جوية كبيرة دون تكلفة معدات هائلة، وتقلل من نفقات سنوات من تدريب النخبة اللازمة لتطوير قوة جوية تقليدية على سبيل المثال تتكون من طائرات نفاثة يقودها طيارون.
ووفقًا لدراسة للمعهد التركي لتحليل السياسات نشرت في 23 أغسطس 2023 للبروفيسور مايكل تانشوم أستاذ العلاقات الدولية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في جامعة نافارا بإسبانيا، والباحث المنتسب في مركز تنفيذ السياسات الاستراتيجية في جامعة باشكنت بأنقرة، تلجأ تركيا بشكل متزايد إلى استخدام التعاون الدفاعي مع الدول الإفريقية كونها وسيلة لتعميق علاقاتها الاقتصادية.
وركز التواصل الاقتصادي الذي فعلته تركيا مع أعضاء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) في المقام الأول على الدول الأعضاء الثمانية الناطقة بالفرنسية فيها. وكان الاستياء من فرنسا بين هذه الدول الثمانية ، فضلًا عن استيائهم المتزايد من رداءة نوعية السلع والخدمات التي تقدمها الصين، سببًا في البحث عن شريك بديل ،فوجدوا ضالتهم فى تركيا .
ويقول الدكتور سامح الجارحي: إن الحكومة التركية تدعم بقوة صناعة مسيرات الدرونز وتروج لها كجزء من استراتيجيتها الاقتصادية والسياسية في العالم. فهذه الطائرات المسيرة مجهزة بتقنيات حديثة تشمل الكاميرات العالية الدقة والاستشعارات المختلفة، وتتيح إمكانية التحكم عن بُعد وجمع البيانات بصورة دقيقة وسريعة. بفضل مزاياها التكنولوجية، يمكن للدرونز أن تجتاز العقبات الجغرافية وتصل إلى الأماكن النائية والمناطق الخطرة بكفاءة عالية، مما يجعلها أداة فعالة للتحقق من الوضع والتدخل السريع عند الضرورة.
وأكد المحلل السوداني سيبويه يوسف لـ “أصوات إفريقية” أن الانقلابات الأخيرة في دول غرب إفريقيا والصراعات وعدم الاستقرار في معظم بلدان القارة سرع من وتيرة الاهتمام المتزايد بالطائرات التركية بدون طيار والمركبات المدرعة وأنظمة الاستشعار الكهروضوئية وأنظمة المراقبة. ومركبات إزالة الألغام والبنادق الهجومية ،لأنها ناجعة وسبق نجاحها في دول كثيرة مثل الحرب بين إثيوبيا والتيجراي ونجاحها في معارك بين الجيش السوداني والدعم السريع.
وأشار سيبويه إلى أن الحاجة الملحة لحل مشاكل متنوعة تواجه القارة، مثل مكافحة الصراعات المسلحة والإرهاب، ومراقبة الحدود وحماية التجارة البحرية، ومراقبة النمو السكاني وتنفيذ إجراءات الإغاثة في حالات الكوارث الطبيعية جعلت الإقبال على السلاح غير المشروط من تركيا، صاحب النصيب الأوفر في سوق السلاح عن نظيراته من أسلحة فرنسية وأمريكية وروسية وصينية.
وفرت الدرونز حلًّا فعالًا وفعالية اقتصادية للتعامل مع هذه التحديات المستعصية، حيث يمكن استخدامها أيضا على نحو مريح في إجراءات مراقبة واستطلاع ورصد الأمن والتنمية.
كما أن التحديات الأمنية والعسكرية جذبت اهتمام القارة في طلب الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة والأسلحة الخفيفة، التي تلبي احتياجات تلك الدول في مجال حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب.
ووقعت أنقرة اتفاقيات تعاون في مجال صناعة الأسلحة والتدريب مع أكثر من 25 دولة إفريقية، من بينها النيجر ورواندا وجمهورية إفريقيا الوسطى وبنين والكونغو ومالي ونيجيريا والجزائر وبوركينا فاسو، جيبوتي، الجابون، غامبيا، غانا، غينيا، ساحل العاج، ليبيا، مدغشقر، مالي، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، رواندا، السنغال، الصومال، السودان، تنزانيا، توجو وتونس) وفقًا لدراسة للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية.
ولكن هناك مخاوف من وقوع هذه الأسلحة الخفيفة وذات الطبيعة السهلة فى أيدي الجماعات الجهادية واستغلالها في تهديد استقرار الدول الأفريقية.