spot_img

ذات صلة

جمع

تمويل أوروبي ورصاص ليبي: القصة المظلمة لخفر السواحل

"Help us, please, we’re going to die" —  كانت...

مدينة الألفية تتهدم: الإسكندرية تواجه مصيرها المحتوم بين سوء الإدارة وغضب البحر

الإسكندرية، عروس المتوسط و"منارة العالم القديم"، باتت اليوم مسرحًا...

سبتة بوابة الأمل والمخاطر.. ولادة تكشف الوجه الآخر لأزمة الهجرة في أوروبا

على بعد كيلومترات قليلة تفصل المغرب عن أوروبا، يمتد...

“دي جي” في وجه التحيز المجتمعي: فنانات يكسرن القوالب الجندرية في القاهرة

  في قلب القاهرة، حيث تزدحم المدينة بالحكايات المتشابكة والضغوط...

أن تهرب من بلدك بحثا عن عمل فتواجه السجن والترحيل

لم يدرك حسن أدم أن رحلته التي حلم بها للمملكة السعودية وأنفق عليها كل ما يملك بحثا عن دخل أفضل، ستقوده إلى مأساة يتمنى انتهائها وعودته إلى وضعه السابق.

ظن حسن، البالغ من العمر 28 عاما، أن حياته ستتغير، حينما ستطأ قدمه بلد البترو-دولار، السعودية، وأنه سيجد عملا عند أثرياء هذه الدولة، ستنسيه حياة الفقر المدقع في بلده الأصلي، إثيوبيا. لكن، كل شيء انقلب بطريقة فاقت أسوأ كوابيسه. سريعا، وجد نفسه في سجن الشيمسي، شرقي مدينة جدة، في زنزانة مع 200 آخرين، ينام على الأرض ويحصل على كمية قليلة من الطعام الكافية لإبقاءه على قيد الحياة. وبعد 11 شهرا من المأساة، ألقى به في طائرة ضمن مواطنين آخرين، في مايو الماضي، لترحيلهم إلى بلدهم. ركب حسن الطائرة، بشنطة تحوي قميص وبنطال فقط بديل. انتهت مأساة السجن أخيرا خاليا الوفاض، لكن عاد إلى مأساته القديمة.

نظرة واحدة على جسده، بمجرد وصوله إلى مطار أديس أبابا، يمكن الاستشفاف بسهولة كيف غيرت الـ 11 شهرا الأخيرة شكله وهيأته. باتت التجاعيد تكسو وجهه المهموم، بينما يلتصق جلده بعظامه. تظهر التقرحات في أنحاء متفرقة من جسده، بينما يخشى حسن إغماض عينه حتى لا يثار في عقله فظائع السجن التي عاشها. في 11 شهرا فقط، أصبح الشاب البالغ من العمر 29 عاما، يشبه رجلا في سن الخمسين أو أكثر، يعاني من أمراض مختلفة، وغير قادر على الوقوف جيدا.

ترحيل أكثر من نصف مليون شخص

منذ عام 2017،  تم ترحيل ما يقرب من نصف مليون إثيوبي من المملكة السعودية إلى بلدهم الأصلية. خلال العقود الأخيرة، تحولت السعودية ودول الخليج إلى مقصد رئيسي للعمالة الإثيوبية الباحثة عن عمل ذات دخل أفضل بالمقارنة بالبقاء في بلدهم. يصل غالبية هؤلاء العمال إلى الأراضي السعودية، عبر رحلة شاقة، تمر باليمن، يواجهون خلالها مشاق صعبة قد تنهي حياة بعضهم، خاصة في ظل الحرب الأهلية المستعرة في هذه الدولة.

ومثل هؤلاء، كان حسن، الذي وصل إلى اليمن عبر قارب انطلق من الجانب الإفريقي عبر مهرب دفع له 2500 دولار لنقله. انطلق حسن مع مجموعة تتخطى 30 مهاجرا نحو الأراضي السعودية، محاولا تجنب مناطق القتال، أو أي طرق خطرة قد تقود إلى اختطافه وتجنيده بواسطة أحد أطراف الحرب.

ظل حلم الدخل الجيد يسيطر على ذهن حسن، طوال الرحلة، ويدفعه إلى المزيد من التقدم باتجاه الأراضي السعودية. في بلاده، دائما ما يتم التغني بأنها واحدة من أكثر الاقتصاديات المتنامية في العالم، والتي تحقق نموا يصل إلى 10% سنويا، لكن هذا النمو لم يقلل من معدلات الفقر في البلاد أو يحقق فرص عمل جيدة. يدرك حسن أن أقل عمل في السعودية، سوف يوفر دخل أعلى بـ 5 أضعاف مقارنة بما سيمكن تحقيقه إذا استقر في بلاده.

خلال الأعوام الأخيرة، باتت الأرض تضن على المواطنين في إثيوبيا. أنخفض العائد من قطاع الزراعة، بينما يواجه المواطنين موجات قاسية متقلبة من الجفاف والفيضانات، لاسيما في الأجزاء الجنوبية والشرقية من البلاد، وعلى رأسها مناطق عفار وأوروميا والمنطقة الصومالية. لا ينسى حسن ذلك الجفاف الذي ضرب القرن الإفريقي بما فيها الصومال في 2011، وتسبب في مشكلات غذائية لأكثر من 9.5 مليون مواطن. لم يمر 4 سنوات حتى شهدت إثيوبيا جفافا جديدا في 2015. جاء هروب حسن من بلاده مع بدء موجة أخرى من الجفاف في إثيوبيا في 2021 في عدد من مناطق البلاد. تقول احصاءات الأمم المتحدة أن هذا الجفاف الأخير لا يزال يؤثر على أكثر من 8 ملايين شخص.

غير مرحب بهم في السعودية

لكن في السعودية، حسن وغيره من المهاجرين الإثيوبيين لم يكن مرحب بهم. فالبلد التي تضم ما يزيد عن 13 مليون مهاجرا يعملون في أراضيها، بينهم 750 ألف عامل إثيوبي، لم تعد بحاجة إلى المزيد، وتواجه الموجات الجديدة من المهاجرين بمزيد من العنف.

منذ عام 2017، اعتقلت السعودية 6.4 مليون مهاجر من جنسيات مختلفة، وتم ترحيل 2.1 مليون منهم حتى الآن. حسن كان بين 102 ألف مهاجر إثيوبي، أعلنت السعودية عن رغبتها في ترحيلهم خلال 2022. تم نقل 70% من هذا الرقم حتى بداية ديسمبر 2022، على متن 198 رحلة.

حسن مثل غيره من المهاجرين غير الشرعيين، تعرض لانتهاكات جسيمة خلال فترة اعتقاله بالمملكة السعودية، حيث يتم إيداعهم في سجون لمدد طويلة بانتظار ترحيلهم دون وجود أدنى فرصة لإطلاق سراحهم.

في السجن، من يمرض يموت، دون أدنى رحمة. خلال مدة السجن، يقول حسن إنه حينما كان يتم إخبار حراس السجن بأن أحدهم مريض، كان يرد الحراس، “كلاب، أتركهم يموتون”.

في تقريرها تحت عنوان “كأننا لسنا بشرا: عمليات الإعادة القسرية وظروف الاحتجاز المروعة للمهاجرين الإثيوبيين في السعودية”، في 16 ديسمبر من العام الماضي، توضح منظمة العفو الدولية أن مئات الآلاف من المهاجرين الإثيوبيين احتجزوا في ظروف غير آدمية، وأصيب بعضهم بأمراض جسدية وعقلية خطيرة. توضح المنظمة أنه في الوقت الحالي، يوجد 30 ألف إثيوبي في ظروف غير آدمية في سجون الخرج والشميسي، حيث يتم تكديسهم في زنازين صغيرة، ويبقون بداخلها لمدة لا تنتهي.

دعهم يضربوكم

وماذا عن سفارة بلدهم؟ في زنزانته المكتظة، نجح رفقاء حسن في الحصول على هاتف والاتصال بالسفارة الإثيوبية على أمل أن تتدخل لإنهاء مأساتهم. انتابت فرحة النصر على وجوه المساجين حينما سمعوا “أهلا” من الطرف الآخر على الهاتف، شرح أحد المساجين أنهم يتعرضون للضرب والتعذيب داخل السجن وأن السفارة عليها التدخل لمساعدتهم. جاء الرد من عامل السفارة كالصاعقة: “دعهم يضربوكم”.

لم يكن يتخيل حسن أنه سيخرج حيا من هذا السجن، لم يكن يعتقد أنه سيجد أدميته من جديد. لكن في النهاية، عاد أخيرا إلى بلاده ضمن عمليات ترحيل بالطائرات إلى أديس أبابا.

مع عودته، وجد حسن نفسه أمام كابوس جديد، عار الفشل ونفس ظروف الفقر. في غرفة صغيرة بمنزل والده، ظل الشاب مختفيا عن الأنظار لبضعة أشهر عن الأنظار، أكثر ما كان يخشاه، تلك السخرية منه لفشله في تحقيق الهدف الاقتصادي لهجرته. بعد أشهر، حاول حسن الخروج مجددا، ولكن كما في السابق، ليس هناك عمل متاح للعيش، بينما تشهد البلد حرب أهلية. “رحلت شابا، وعدت رجلا مكسورا وبأمراض خطيرة”، هكذا يخبرنا حسن.

spot_imgspot_img