ممنوع من العمل.. مرشد سياحي تحت رحمة استيقاف أمني وتقرير تحركات وسيطرة وكالات السفر

آخر الأخبار

اشترك في قائمتنا البريدية

تحت حرارة الشمس الحارقة خلال الصيف في العاصمة المصرية، القاهرة، بدا الإنهاك على وجه محمد فاروق، المرشد السياحي، الذي تبللت ملابسه بفعل العرق مع اقتراب وقت الظهيرة، وبرفقة 4 سائحين أجانب يسعون لجولة في منطقة أهرامات الجيزة التاريخية. فجأة، انقبضت ملامح فاروق، البالغ من العمر 43 عاما، حينما سمع صوتا يأمره بالقدوم سريعا. يعلم فاروق هذه النبرة جيدا. طلب من السائحين الانتظار لبضعة دقائق.

“أين إخطارك الأمني؟ لماذا ترافق السائحين؟ هذا أمر غير قانوني، سأكتب محضر بالواقعة”، قالها له أمين شرطة بنبرة تهديدية.
ما أن يصل فاروق إلى أي موقع أثري برفقة سائحين، ينبغي عليه أن يتعرض لاستجواب مشدد مع شرطي لما يقرب من 15 دقيقة، يحاول تأكيد قانونية عمله وليس كما يفهم رجل الأمن.
يعد فاروق، المعروف باسم “King Farouk” أحد أكثر المرشدين السياحيين شهرة في العاصمة المصرية، إذ يصنف على أنه “Best Choice” على موقع السفر الأشهر TripAdviser”. لكن هذا المرشد، مثل غيره من عشرات الآلاف، ليس له الحق في عيون رجال الشرطة بمرافقة السياح دون تصريح أمني مسبق، وتقرير تحركات وكذلك إثبات عمل لصالح وكالة سفر معترفة من الدولة. وهي إجراءات يستحيل تنفيذها بالنسبة لمرشد سياحي يريد أن يكون مستقلا.
يوضح فاروق لأصوات إفريقية، “كل مرة يراني شرطي برفقة مجموعة من السائحين، يستجوبني كما لو أنني مجرم، هذا يثير قلق السياح، وأعمل على تأهدأتهم بأن أشرح لهم أن الشرطة تعمل على حمايتهم”، لكن هذه الحماية ليست أكثر من تضييق على المرشدين السياحيين أنفسهم.

في مصر، ترى السلطات محمد فاروق و11 ألف مرشد سياحي مسجلين في النقابة الخاصة بهم، بعين من الريبة. يحرم هؤلاء المرشدون من ممارسة عملهم باستقلالية أو إطلاق مشروعاتهم الخاصة بهم. رغم أن قانون يعود إلى عام 1983 يسمح لهم بالعمل بشكل مستقل، إلا أن شرطة السياحة لديها قرار آخر، إذ تسعى لإجبارهم على العمل لصالح وكالة سفريات وتقديم تصاريح أمنية وتقارير بشأن تحركاتهم مع السياح. أما نقابتهم الوحيدة، فهي تحت سيطرة وزارة السياحة، إذ تديرها لجنة معينة من الوزارة منذ أربعة أعوام دون إجراء انتخابات.

 

معركة من أجل الحصول على الاستقلالية

أمام هذه التضييقات والرغبة في إخضاع المرشدين السياحيين تحت مظلة وكالات سفر، يسهل ترتيبها مع الشرطة بشأن تأمين السياح، تتصاعد الرغبة لدى فاروق وغيره من المرشدين السياحيين للعمل بشكل مستقل وإطلاق مشروعهم الخاص.
جاءت الفكرة لمحمد في عام 2017، من أجل إنشاء مكتب لتقديم خدمات الإرشاد السياحي. تقدم المرشد مع زميل له بهذه الفكرة إلى وزارة السياحة. وبعد انتظار طويلا، ردع عليه الوزارة بأن الفكرة مرفوضة، “لاعتبارات أمنية” وأنها من الممكن “أن تضر بسمعة مصر”.
وقعت الكلمات كالصاعقة على المرشد صاحب 23 عاما من الخبرة في مجاله. فجأة أصبح حلمه بالعمل المستقل، قضية أمنية من الممكن أن تجلب الصورة السيئة للدولة، كما تدعي الوزارة.
أمام هذا الرفض، لجأ فاروق وزميله إلى القضاء لإنصافه، وبعد معركة طويلة استمرت أكثر من 4 سنوات، قضت المحكمة الإدارية العليا لصالحه في نوفمبر من العام الماضي، لكن الدولة ممثلة في وزارة السياحة لجأت إلى قسم التشريعات بمجلس الدولة في مارس الماضي، كما قدمت إشكال ضد حكم المحكمة الإدارية.
بعد شهرين، قضت اللجنة باستحالة وضع حكم المحكمة الإدارية قيد التنفيذ لأن القانون لا يتضمن الإجراءات اللازمة كي يفتح المرشدون مكتبا خاصا بهم.
رغم ذلك، رفضت المحكمة الإدارية العليا الطعن المقدم من وزير السياحة، كما رفضت محكمة القضاء الإداري الإشكال سالف الذكر، ما يجعل الحكم واجب النفاذ.
يعلق فاروق على هذا الوضع، “أصبحت معلقا تماما، لدي حكم يسمح لي بفتح مكتب مستقل وواجب النفاذ، ولكن القانون لا يشرح كيفية فعل ذلك، ولا لي حق التقاضي بصفتي شخص أمام مجلس الدولة، إذ أن النقابة التي تمثلني تأخذ صف الوزارة”.

يفسر المحامي خالد الجمال، عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تعنت وزارة السياحة تجاه العمل المستقل للمرشدين بالأسباب الأمنية، موضحا أنه في بداية التقاضي، أبلغته الحكومة أن الشرطة ووزارة السياحة يرون أن عمل المرشدين باستقلالية سيكون له أثار على الأمن القومي وتأمين السياح.

أصبحت معلقا تماما، لدي حكم يسمح لي بفتح مكتب مستقل وواجب النفاذ، ولكن القانون لا يشرح كيفية فعل ذلك، ولا لي حق التقاضي بصفتي شخص أمام مجلس الدولة، إذ أن النقابة التي تمثلني تأخذ صف الوزارة

الخضوع لمعايير وكالات السفر

رغم وجود التضييقات كسبب رئيسي وراء سعي فاروق لإطلاق عمله الخاص، يظل السبب المادي والأسعار المتدنية التي تقدمها وكالات السفر التي تستغل المرشدين السياحيين، بالإضافة إلى الرغبة في صنع مسيرة مهنية، بين الدوافع الهامة وراء محاولات فاروق المستمرة للحصول على حريته في عمله.

يبين المرشد السياحي: “لا أريد البقاء تحت سيطرة وكالة سفر، أنهم يدفعون لنا 400 جنيه يوميا، رغم قرار وزارة السياحة بالا يقل عن 700 جنيه، في حين إذا خرجت مستقلا مع سائحين، أستطيع أن أحصل في المتوسط على 70 دولارا”، قبل أن يضيف، “أريد صنع اسمي، وألا أظل مخفيا تحت وكالة سفر تأخذ الشهرة والمال، وأنا لا شيء”.
يشارك فاروق، العديد من المرشدين السياحيين الآخرين، هذا الغضب تجاه التضييقات وجشع وكالات السفر. يوضح محمد شاكر، المرشد السياحي منذ 25 عاما، “الشرطة تفهم أن السائحين ينبغي أن يكونوا مسجلين لدى وكالة سفر، رغم تزايد عدد القادمين بشكل فردي أو عائلي بشكل مستقل، البعض من أفراد الشرطة يجهلون بالقانون، وهذا ما يخلق التوتر بيننا وبينهم”.
يجد المرشدون أنفسهم في مواجهة فردية مع رجال الشرطة دون تدخل النقابة لتوضيح عملهم أو شرح القانون للشرطة، يردف شاكر، “المشكلة أن نقابتنا غير مفعلة ولا تتحرك لتوضيح الوضع أو مساعدتنا، هي تريد أن نظل تحت هيمنة شركات السفر”.
يتسبب التعنت من قبل الشرطة في حالة من الاستياء لدى السياح، الكثير منهم يشعر بالضيق جراء الاستجوابات الأمنية في كل مرة مع المرشد المرافق لهم، “كما ولو نحن مجرمون”، بحسب شاكر.
يستمر فاروق في عمله اليومي، منتظرا استجوابا في كل مرة تقع عين شرطي عليه، بينما لا تتوقف محاولته أمام القضاء لنيل حريته وتأكيد القانون والحكم الذي يسمحان له بالعمل المستقل.

Facebook
Twitter

أحدث المقالات

سواحل تونس تتحول إلى مقابر مع تزايد غرق قوارب المهاجرين
وشهدت تونس في السنوات الماضية تدفق الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين يحدوهم الأمل إلى العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط
سائرون على الأشواك.. نازحو تيغراي: نخاف العودة للوطن ونخشى الموت خارجه
وفقًا للأمم المتحدة، تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص ما يزالون نازحين داخليًا بسبب حرب تيغراي
أروى صالح.. أتطلع داخلي فلا أجد سوى مقبرة جماعية
خُصوصيّة المأساة عند جيل خاض تجربة التمرّد، هي أنه مَهما كان مصير كلّ واحد مِن أبنائِه، سَواء سار في سكة