كانزا.. أن تكوني فتاة من ذوات التوحد في مجتمع غير آمن

آخر الأخبار

اشترك في قائمتنا البريدية

كانت لحظات بطيئة قاتمة تقبض الروح. كل شيء كان يبدو جميلا في هذا اليوم، فالهواء منعش والشمس دافئة، حتى تحول كل شيء إلى سواد في عينيها، عاشت ٱمنة شعورا قاسيا لم تشهده في حياتها، كان أشد من طعنة سيف مفاجئة وسط شعور بالفرحة. 

لم تصدق ٱمنة ما اكتشفته. كانت تظن أنا وفرت ما يكفي من الحماية لإبعاد الاشخاص المستغلين عن كانزا، ابنتها ذات الأربعة عشر ربيعا التي تعاني من التوحد، حتى اكتشفت الأم أن ابنتها حامل. كيف ومن من؟ لا تدري. في بورندي، أي طفلة تبلغ سن النضج وهي تعاني من مرض عقلي تشكل معاناة شديدة الصعوبة لأسرتها، في مجتمع يرى مثل هذه الفتياتفرصا متاحة، تضطر غالبية الأسر لشراء أدوية وأجهزة منع حمل لهؤلاء الفتيات تجنبا لإنجابهن سفاحا بسبب الاغتصابات المتكررة.

ثلاث ولادات متتالية وجميع المواليد من الذكور. كان داخلها إحساس بأن حملها الرابع سيكون الفتاة التي تتمناها.  كانت لا تطيق صبرا انتظارا لمولودتها الجديدة، وفي صباح يوم هاديء وصلت الهدية، أطلقت ٱمنة على مولودتها الجديدة اسم كانزا، ويعني فرحة باللغة المحلية شرقي بورندي.

بعد بضعة أعوام اكتشفت الأم، الأزمة الكبرى: كانزا تعاني من تأخر في الادراك، حركاتها واستجاباتها بطيئة. قالها الطبيب بتعبير قاسي لهاكانزا متخلفة عقليا“.  على مدار ليالي، كان الحزن يكسر قلب ٱمنة: لماذا انا يا رب؟ لماذا كانزا، الفتاة الوحيدة التي رزقت بها؟

عداء مجتمعي للأطفال ذوي التوحد

على مدار اعوام، رضيت ٱمنة بمصيرها، علمت أنها أمام معركة عليها أن تخوضها يوميا: حماية طفلتها من أحاديث الجيران وتصرفات الصبية والنظرات القاتلة، أدركت مدى عداء هذا المجتمع للأطفال ذوي الإعاقات العقلية، معركة لن تكون سهلة للأم التي تقضي نصف يومها خارج المنزل لعملها كمعلمة في إحدى المدارس العامة بقريتها. 

جاءت الدورة الشهرية الأولى لكانزا وهي في سن الثالثة عشر، وبمزيج من الفرحة والقلق الشديد من جانب الأم، ستظهر للفتاة مفاتن قد تجذب أنظار أحد الذئاب البشرية الذين يتجولون لإشباع شهواتهم الجنسية.

عليها من الآن فصاعدا أن تراقب ابنتها عن كثب. تحفظ الأم عن ظهر قلب مواعيد الدورة الشهرية لابنتها وتوفر لها الأغطية المناسبة. ظل الوضع على ذلك الحال حتى أتمت الفتاة عامها الرابع عشر. وفي الشهر الثاني من عامها الجديد، اكتشفت الأم توقف تدفق دم الحيض لدى ابنتها. في البداية ظنت أن قد يكون خلل عاديا. انتظرت الشهر الثاني ثم الثالث، لم تظهر بوادر الدورة الشهرية. قبل أن ينتابها القلق. لمرة أخرى، يحمل الطبيب خبرا غير سار لها: كانزا حامل.

من فعل ذلك؟ من هذا المجرم الذي استغل ظروف ابنتي؟ كيف التقى بها؟ لم تستطع ٱمنة وقف تدفق الدموع من عينيها. كيف ستواجه زوجها والمجتمع؟ 

في بورندي، تعيش الفتاة ذات الإعاقة، في جحيم. منذ مولدها تعاني من التهميش وعدم الاحترام. ينظر الرجال لمثل هؤلاء الفتيات على أنهن لا يمتلكن رغبة جنسية ولا يعانين إذا تعرضن للاغتصاب. وحينما يصبحن حوامل، يتم القاء اللوم عليهن وعلى أسرهن. 

أرقام تؤكد عمق الفاجعة

تؤكد الأرقام عمق جرائم الاغتصاب، لاسيما للفتيات اللائي يعانين من مشكلات عقلية. فبحسب الممثل المحلي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن حوالي ٩٪ من المواليد غير مرغوب فيهم في بورندي. تكشف البيانات أن الأمهات تضطر لإعطاء بناتهن اللائي يعانين من مشكلات عقلية وسائل منع حمل طوال حياتهن، لتجنب أي نتاج لجرائم اغتصاب.

يشرح الأمين العام لمؤسسة الأشخاص المعاقين في بورندي، ريمي ندريمانا، ـبحسب ما نقلت صحيفة لو رونيفو المحلية-، أن الفتيات المعاقات يتم النظر إليهن على أنهن عاجزات وليس لديهن حقوق.

قطع الطبيب تفكير ٱمنة، ليخبرها أنها لديها الحق في إجراء الإجهاض للابنة، لأن الحمل محفوف بمخاطر على صحتها.

في المسافة الصغيرة التي تفصل المستشفى عن ساحة انتظار الحافلة، ظلت الأم مذهولة مما سمعته، حتى أنها كانت ستتعرض للاصطدام من سيارة قادمة. يا إلهي، لم أستطع حتى حماية ابنتي!

عند وصولها للمنزل، حبست نفسها في غرفتها وظلت تبكي. استرجعت في ذهنها كل اللحظات الجميلة مع ابنتها كانزا.  يا لهذه المسكينة، ليست لديها ولو فرصة ضئيلة للزواج أو الحياة الآدمية. ليست هناك فرصة لحمايتها من الاغتصاب. ما يمكن فعله فقط هو إعطائها موانع الحمل، لماذا عليها أن تعيش كل هذه المأساة؟

Facebook
Twitter

أحدث المقالات

سواحل تونس تتحول إلى مقابر مع تزايد غرق قوارب المهاجرين
وشهدت تونس في السنوات الماضية تدفق الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين يحدوهم الأمل إلى العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط
سائرون على الأشواك.. نازحو تيغراي: نخاف العودة للوطن ونخشى الموت خارجه
وفقًا للأمم المتحدة، تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص ما يزالون نازحين داخليًا بسبب حرب تيغراي
أروى صالح.. أتطلع داخلي فلا أجد سوى مقبرة جماعية
خُصوصيّة المأساة عند جيل خاض تجربة التمرّد، هي أنه مَهما كان مصير كلّ واحد مِن أبنائِه، سَواء سار في سكة