عالقون بين خيوط “عنكبوت الأزياء”.. نصدر القطن للغرب وملابسنا من “مكبات النفايات”

آخر الأخبار

اشترك في قائمتنا البريدية

أشهر نقضيها في زراعة القطن ورعايته ثم حصاده، ليتم نقله إلى خارج البلاد في النهاية، بينما لا نجد ما نغطي به أجسادنا سوى ما يعيده لنا الغرب من ملابس بالية مصنوعة من القطن ذاته، بعدما فاضت عن حاجة مستهلكها من كثرة استعمالها بالفعل، لا يبدو الوضع أفضل حالا بالنسبة للعاملين المحليين في هذه الصناعة الذين يواجهون ظروفا ربما تكون أكثر قسوة ولا إنسانية. وتلقى الملابس المستعملة انتشارًا كبيرا في إفريقيا لتنوعها ورخص ثمنها، فلا عجب أن ترى كثيرا من المواطنين يرتدون أزياء من ماركات أجنبية تبرع بها أصحابها الأصليون لجمعيات خيرية بينما تباع في الخفاء للمستهلك المحلي، أو أخرى بها بعض عيوب الصناعة ولا تلقى رواجا داخل الأسواق الأوروبية أو الأمريكية، إلا أن الجدل ما يزال مستمرا بشأن استيراد هذه المنسوجات، ومدى تهديدها الصناعة المحلية.

في أوغندا، يعد القطن أحد المحاصيل النقدية الرئيسية، ومع ذلك يتم تصدير 95٪ منه كمواد خام لاستخدامها في أماكن أخرى، مع استهلاك 5٪ فقط من مرافق النسيج المحلية، القطن المزروع هنا نفسه يعاد بيعه للمواطنين كمنتجات “بالة” أو “مستعملة” بعدما يفرغ المستهلكون في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية من ارتدائه، أصبحت أوغندا والبلدان الإفريقية المجاورة الآن مكبًا لنفايات 70٪ من الأزياء العالمية، حيث تعد 80٪ من الملابس المباعة في البلاد مستعملة، بينما لا يستطيع الإنتاج المحلي القدرة على المنافسة، على الرغم من أن الملابس التي تصل من الخارج متسخة أو ممزقة أو ملطخة.

استغلال على مستويين

يبدو الاستغلال في صناعة الملابس كخيط يربط عمال الملابس في البلدان المنتجة الذين يتقاضون أجورًا معدمة، بمقالب القمامة الجبلية التي تحوي الملابس غير المرغوب فيها هنا في أوغندا، والعمل في طرفي هذه الدورة محفوف بالمخاطر وذو أجور زهيدة (عادة ما تقوم به النساء والشباب)، مما يجعل العمال محاصرين دوما في دائرة الفقر، بينما يكسب من هم في أعلى السلسلة – العلامات التجارية والمستوردون على التوالي – أرباحا طائلة.

إحدى المشكلات الرئيسية التي تبقي هذه الدورة مستمرة هي أن التكلفة الحقيقية للأزياء مخفية عن المستهلكين، فعند شراء قطعة ملابس رخيصة، لا يعلم المستهلك بصراع عمال الملابس الذين صنعوها، ولا يفكر في هلاك صناعة الملابس المحلية التي كانت مزدهرة ذات مرة في البلاد، حيث من المحتمل أن تنتهي هذه الصناعة في البلاد، وتنهار بسبب جودتها أو خروجها عن الموضة الحديثة.

غالبًا ما يتم شحن الملابس غير المرغوب فيها منخفضة الجودة التي يتم التبرع بها لمحلات الأعمال الخيرية أو متاجر التوفير في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، في بالات إلى البلدان الإفريقية ويتم بيعها إما في أسواق الملابس المستعملة والبوتيكات المحلية.

يتم تصنيف هذه البالات في مجموعات، مثل الدرجة الأولى، وهي أغلى ثمناً ويختارها معظم بائعي البوتيك ذلك، أما إذا كانت متضررة للغاية، يتم إلقاؤها في مكبات النفايات، الأمر يمكن أن يسد قنوات الصرف في الأحياء الفقيرة بالمناطق الحضرية، فوفقًا لدراسة حالة حديثة، تتلقى إدارة النفايات في أوغندا أقل من 10٪ من ميزانية المجالس الحضرية. تشكل المعاناة دورة حياة العاملين في الأزياء البالية منخفضة التكلفة في أوغندا، فبينما يتقاضون أجورا زهيدة، يتعرضون لظروف عمل خطيرة، في الوقت الذي يتم التعامل مع البلاد على أنها “قمامة لأخطاء الموضة في الشمال العالمي”.

مع توقف صناعة الملابس المحلية عن العمل، يجد الناس عملاً في فرز بالات الملابس الجاهزة، وهي مهمة خطرة في حد ذاتها، حيث يتنفس العمال في طبقات من الغبار بدون حماية.

– كلمة مستدام ليست سوى أكذوبة للماركات العالمية

في جولة داخل الأسواق المحلية، شاهدنا ملابس داخلية متسخة وغير مغسولة وحمالات صدر وملابس داخلية معروضة للبيع، كانت ترتديها النساء مرة واحدة في أوروبا؛ المرايل والملابس المستخدمة للأطفال؛ الجوارب والملابس الداخلية الرجالية المتسخة، وجميع أنواع الملابس الرياضية المتعرقة من العلامات التجارية الكبرى، والتي يتم التبرع بها إلى المحلات الخيرية المحلية، لكن يتم إرسالها إلى الأسواق المحلية في أوغندا لبيعها، ربما لا يدرك الأشخاص الذين يتبرعون بهذه الملابس إلى أين سينتهي بها المطاف.

هنا في مكبات النفايات ذات الرائحة الكريهة والأوضاع الخطيرة، يعد العمل غير المستقر وغير الرسمي نتيجة حتمية للإفراط في الإنتاج والاستهلاك المفرط اللذين يهيمنان على صناعة الأزياء. تجسد هذه الحقيقة المؤلمة خواء كلمات طنانة مثل “مستدام” و “أخلاقي” و “مسؤولية مجتمعية”، التي غالبًا ما تستخدمها العلامات التجارية للأزياء لمحاولة خداع المستهلكين للاعتقاد بأنهم جزء من الحل، لكن، لا يمكن أن يكون الإنتاج والاستهلاك بالمعدل الحالي مستدامًا على الإطلاق، حيث يتم حرق أو التخلص مما يقارب 53 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات كل عام.

عدد من الدول الإفريقية، مثل رواندا، قاوم محاولات الاستغلال الاقتصادي، وحظر استيراد الملابس المستعملة. ومع ذلك، عندما أثارت أوغندا احتمال حدوث ذلك، هددتها الولايات المتحدة بعقوبات شديدة، من بينها طردها من اتفاقية “أجوا” التجارية التي تمنح بلدانًا أفريقية وصولًا معفيًّا من الرسوم الجمركية إلى السوق الأمريكية.

لكن ما هي التكلفة على المواطنين وما هي الرؤية لمستقبلهم ومستقبل الكوكب أجمع حال استمرار الاستهلاك بالوتيرة الحالية؟ الطريقة الوحيدة لإنشاء صناعة مستدامة حقًا هي إصلاح نموذج الأعمال السائد، الذي سيبدأ بدفع أجر معيشي لعمال الملابس، حيث تحتاج الصناعة إلى إنتاج ملابس أقل بشكل كبير ولكن بجودة أفضل، ويحتاج المستهلكون إلى شراء أقل، وتحتاج العلامات التجارية إلى دفع المزيد مقابل منتجاتها، هذه هي الخطوات الأساسية التي يجب اتخاذها إذا أردنا إنهاء الاستغلال عبر الصناعة.

هذا النموذج المقترح والذي يكفل أجرا معيشيا عادلا لعمال الملابس، من المقرر أن تكون له تأثيرات إيجابية بعيدة المدى، حيث سيسمح للعاملين في صناعة الملابس وأسرهم بالعيش بكرامة، والقدرة على تحمل تكاليف الطعام والإيجار والتعليم والرعاية الطبية، والتي ستمتد آثارها إلى المجتمعات المحلية وتكسر دوائر الفقر التي اندلعت منذ عهد الاستعمار. في نهاية المطاف، سيؤدي الأجر العادل إلى انخفاض مستويات الإنتاج وإرسال ملابس أقل إلى مكب النفايات.

وبكل بساطة، لكي يحصل العمال على أجر مناسب، تحتاج العلامات التجارية إلى دفع المزيد مقابل منتجاتها، مع إعادة التفكير في نموذج الإنتاج الخاص بها، فبدلاً من التنافس في سباق على السعر الأدنى، سيتعين عليها حساب “التكلفة الحقيقية” للملابس التي تصنعها، وتكلفة التوريد. مع زيادة أجور العاملين، سيجد عدد أقل من بالات من الملابس المستعملة طريقه إلى أوغندا، نظرا لخفض الاستهلاك جراء رفع التكلفة، الأمر الذي ينعش بدوره صناعة الملابس المحلية لدينا، ويخلق المزيد من فرص العمل للمواطنين.

ومع ذلك، هناك مصالح راسخة قوية في الحفاظ على الوضع كما هو، حيث تحارب العلامات التجارية العالمية لإبقاء تكاليف الإنتاج منخفضة للحفاظ على أرباح عالية، وعلى الرغم من الاعتراف الواسع بالحاجة إلى أجر معيشي عادل، لا يمكن لعلامة تجارية رئيسية واحدة للملابس أن تثبت أنها تدفع لجميع عمال الملابس أجرًا عادلا في سلاسل التوريد الخاصة بها. لكن الحل لا يتوقف فقط عند هذا الحد، فنحن بحاجة ماسة إلى تشريعات لوقف الاستغلال المستمر للمواطنين والكوكب ذاته، فلم يعد بإمكاننا الجلوس بينما تتجاهل العلامات التجارية الدمار الذي تسببه تجاراتها، كما لا يمكن أن يكون دفع أجر معيشي عادل التزامًا طوعيًا، الأمر لن ينجح ببساطة من دون قوانين تقر هذه المطالب والإصلاحات.

من هذا المنطلق أيضا، خرجت “مبادرة المواطن الأوروبي للأجور المعيشية لعمال المنسوجات والملابس” إلى النور للمطالبة بتشريع بشأن أجور العاملين، وهو ما سيوفر حال دخوله حيز التنفيذ الآلية اللازمة لتحميل خيوط الأزياء العالمية مسؤولياتها عن هذه الأوضاع. لن يحمي مثل هذا القانون عمال الملابس الأوروبيين فحسب، بل من شأنه أن يخدم العمال الأفارقة الذين بدأت صناعتهم المحلية في الإنتاج لأسواق أخرى، كما يمهد الطريق لتشريعات مماثلة تتعلق بـالتكلفة الحقيقية للتخلص من الملابس غير المرغوب فيها داخل القارة، وسيظهر تأثير دفع أجر المعيشة لعمال الملابس في جميع أنحاء الصناعة ويمتد إلى المجتمعات والاقتصادات المحلية. إلا أن كل ذلك يتوقف بشكل كبير أيضا على دور السلطات في الدول الإفريقية في تعزيز الصناعة المحلية وحسن استغلال مواردها بتوريد مزيد من القطن لأسواقها لتصنيعها محليا وتوفير تكلفة الاستيراد، ما ينعش بدوره هذه الأسواق ويوفر المزيد من المنسوجات يأسعار تكلفتها الحقيقية، ويفتح المزيد من فرص العمل لمواطنيها، ما يؤدي إلى تحسين ظروف الجميع بوجه عام.

Facebook
Twitter

أحدث المقالات

سواحل تونس تتحول إلى مقابر مع تزايد غرق قوارب المهاجرين
وشهدت تونس في السنوات الماضية تدفق الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين يحدوهم الأمل إلى العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط
سائرون على الأشواك.. نازحو تيغراي: نخاف العودة للوطن ونخشى الموت خارجه
وفقًا للأمم المتحدة، تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص ما يزالون نازحين داخليًا بسبب حرب تيغراي
أروى صالح.. أتطلع داخلي فلا أجد سوى مقبرة جماعية
خُصوصيّة المأساة عند جيل خاض تجربة التمرّد، هي أنه مَهما كان مصير كلّ واحد مِن أبنائِه، سَواء سار في سكة