شعب الماساي في تنزانيا.. بين عذاب التهجير القسري وجحيم التغيرات المناخية

آخر الأخبار

اشترك في قائمتنا البريدية

في منطقة بين دولتي كينيا وتنزانيا في أدغال إفريقيا، عُرفت قبيلة شبه بدوية من المحاربين الشرسين، تشتهر بملابسها المميزة وطقوسها الفريدة التي جعلتها عنصر جذب كبير للسياح الذين ينبهرون بعباءاتهم القرمزية وطبيعتهم الهادئة وقوتهم مع الحراب الضخمة التي يهاجمون بها الأعداء، ورقصة القفز الشهيرة مع عصا رونجو الخشبية التي يحملها المحاربون الذكور، هؤلاء هم شعب الماساي.

شعب الماساي بني علاقة خاصة مع الطبيعة وتعايشوا مع الزرافات والحمير الوحشية والظباء، وحتى الحيوانات البرية كالأسود والفيلة “بسلام” لا يقتلونها عادة ويعتبرونها من المحرمات، لكن التغيرات السياسية والاجتماعية والمناخية بدأت في القضاء على طبيعتهم.

طور الماساي علاقة تكافلية سمحت للبيئة المحلية والماشية المستأنسة والناس بالتعايش في بيئة شحيحة الموارد.

أهل الأرض يطردون من منازلهم

يطلق البعض على الأرض التي يعيش فيها الماساي اسم الأدغال أو السافانا، ويطلق عليها آخرون اسم مناطق حفظ الحيوانات أو الغابات أو البرية، لكن بالنسبة للماساي هي الوطن، لكن الحكومة التنزانية لم تتعامل مع قبائل الماساي باعتبارهم أهل الأرض.

في السبعينيات، طرد شعب الماساي من أرض أجداده في شمال تنزانيا، الممتدة لأكثر من 200 ألف فدان من الأراضي العشبية، ما أثار لدى رجال القبائل رغبة شرسة في حماية أرضهم، خاصة وأنه بمرور السنوات بدأت أراضي الرعي تتقلص كثيرًا بسبب الزراعة غير القانونية والسياحة والتنمية.

في عام 2018، أصدرت محكمة العدل لشرق إفريقيا (EACJ) أمرًا قضائيًا يمنع الحكومة من طرد مجتمعات الماساي من 1500 كيلومتر (580 ميلًا) من أراضي الأجداد المسجلة قانونًا في قسم لوليوندو في نجورونجورو، شمال تنزانيا.

لكن اليوم يواجه أكثر من 70 ألف من السكان الأصليين من الماساي، خطر الإخلاء مجددا بعد كشف الحكومة عن خطط لتأجير الأرض لشركة Business Corporation (OBC) Otterlo مقرها الإمارات العربية المتحدة لإنشاء ممر للحياة البرية لصيد الغنائم وسياحة النخبة.

أعلن قرار تأجير الأرض لشركة OBC لقادة الماساي في 11 يناير 2022، من قبل جون مونجيلا، المفوض الإقليمي لمنطقة أروشا. وسيطول القرار حوالي 15 قرية داخل المنطقة المقترحة، فيعد قطاع الأرض المسجل قانونًا في قسم لوليوندو في منطقة نجورونجورو أمرًا حيويًا لرعاة الماساي، الذين أداروا المنطقة بشكل مستدام لأجيال.

وقدم قادة قرى أوليرين، وأولوسوكوان وكيرتالو وأراش – ضمن القرى المتأثرة-  استئنافًا إلى محكمة العدل بشرق إفريقيا، مطالبين بوقف جميع الخطط. وأكد القادة أن تجدد المحاولات للاستيلاء على نفس الأرض هو انتهاك صارخ لأمر قضائي منع الحكومة التنزانية من طرد مجتمعات الماساي من المنطقة.

 تضمنت هذه القضية في أغسطس 2017، عمليات إخلاء عنيفة، فبتعليمات من الحكومة أحرقت منازل عائلات الماساي على الأرض ما ترك الآلاف بلا مأوى، بالإضافة إلى اعتقال العديد من السكان.

وفقًا لمعهد أوكلاند، وهو مركز أبحاث سياسي مقره في الولايات المتحدة، ستسيطر OBC على الصيد التجاري في المنطقة، على رغم تورط الشركة السابق في العديد من عمليات إجلاء شعب الماساي في المنطقة وقتل الآلاف من الحيوانات النادرة هناك، بما في ذلك الأسود والنمور.

نقل أنورادا ميتال، المدير التنفيذي لمعهد أوكلاند، عن مونجيلا قوله لقادة الماساي إن الحكومة خططت لإخراجهم من أراضيهم حتى لو كان هذا القرار سيكون مؤلمًا للكثيرين. يؤكد ميتال أن مخطط الحكومة لإنشاء ممر للحياة البرية وتهجير المجتمعات سيؤدي إلى تفاقم الجوع والفقر.

عند إبلاغهم بالقرار، أشار قادة الماساي إلى أنهم لن يغادروا المنطقة ووقعوا بيانًا يعارض الخطة، وفي 13 يناير 2022، تجمع الآلاف منهم في قرية أولويرين، إحدى المجتمعات المحلية في المنطقة، منظمين احتجاجًا ووعدوا بعدم مغادرة المنطقة حتى تراجع الحكومة عن القرار.

اضطر حراس هيئة الحياة البرية في تنزانيا، الذين كانوا يقيمون منارات حدودية لممر الحياة البرية، إلى مغادرة المنطقة بعد مواجهات مع سكان قرية مالامبو المجاورة، مما أدى لإنهاء الاحتجاجات، ويقول القادة إن الاحتجاجات ستستأنف إذا عاد الحراس.

قال ميتال: “إن مواجهة الماساي مرة أخرى للإخلاء لإرضاء العائلة المالكة في الإمارات تظهر أن الحكومة التنزانية تواصل إعطاء الأولوية لعائدات السياحة على حساب الرعاة الذين تولوا رعاية المنطقة لأجيال”.

الخطط الحكومية لم ولن تنته

خطة الحكومة التنزانية لإخلاء قبيلة الماساي من لوليوندو ليست الخطة الوحيدة قيد التنفيذ، ولكنها بالأحرى جزء من خطة أكبر لإعادة توطين المجتمعات في المنطقة لإفساح المجال لمنطقة محمية وسياحة وصيد، هناك استعدادات لتنفيذ خطة متعددة لاستخدام الأراضي وإعادة التوطين في منطقة نجورونجورو المحمية المجاورة (NCA) والتي ستنقل ما يزيد عن 80 ألف ماساي إلى موقع التراث العالمي لليونسكو.

تعتبر نجورونجورو واحدة من أكثر المناظر الطبيعية السينمائية على هذا الكوكب، حيث ترى أكثر من مليون من الحيوانات البرية تهاجر عبر المنطقة، وهي موطن وحيد القرن الأسود المهدد بالانقراض (Diceros bicornis).

وفقًا لميتال، متوقع أن تنقل المجموعة الأولى من الماساي في نهاية فبراير. تقترح خطة NCA تقسيم منطقة الحفظ إلى 4 مناطق. سيتم تخصيص 82٪ على الأقل من المساحة التي يمكن الوصول إليها حاليًا للرعي كمنطقة محمية وسياحية تضم ممرات للحيوانات البرية، وستكون تحت يد الشركة الخاصة، بينما ستصنف الـ 18٪ المتبقية على أنها استخدامات متعددة للأراضي للإنسان والحياة البرية. وسيتم إعادة توطين الرعاة الذين تم إجلاؤهم في موقع التراث العالمي على 18٪ من الأرض.

الماساي يقاومون

بمساعدة شيوخ الماساي، بدأ رجال القبائل في تنفيذ خطة لاستصلاح الأراضي معتمدين على القانون، وقاد فريق موارد مجتمع أوجاما (UCRT)، وهي منظمة شعبية تمنح سندات ملكية الأراضي لمجتمعات السكان الأصليين، لتمكينهم من إدارة الموارد التي تعتمد عليها حياتهم بشكل مستدام.

علم بعض رجال الماساي أن هناك إمكانية لتأمين أراضيهم الرعوية، ووضعوا خطة لاستخدام الأراضي، ثم حددوا مناطق معينة للصيد والجمع والرعي، ومن خلال الضغط على الحكومة وإعداد جميع الوثائق، حصلوا أخيرا على ملكية أرضهم، ولأول مرة في التاريخ ضمنت الحكومة التنزانية لشعب الماساي حقوق سهول سيمانجيرو بموجب القانون، مما يضمن إشرافهم على أكثر من 200 ألف فدان للأجيال القادمة.

يستهدف رجال الماساي تكرار نموذج الملكية في جميع أنحاء تنزانيا، مع 700 ألف فدان من أراضي الرعي الجماعية المخصصة لتمليك الأراضي في السنوات القليلة المقبلة، وهو التحدي الجديد الذين يعملون عليه لحماية أرضهم وبيئتهم.

لكن اليوم تستمر الحكومة التنزانية في مصادرة الماشية من رعاة الماساي الأصليين في منطقة نجورونجورو المحمية في أحدث محاولة لإفساح الطريق أمام السياحة وصيد الغنائم. وصادرت الحكومة بالقوة نحو 5880 رأسا من الماشية و767 من الماعز والأغنام من الماساي بين شهري نوفمبر وديسمبر 2022، وتطالب أصحابها بدفع غرامات باهظة، ومن يفشلون في الدفع تعرض ماشيتهم بالمزاد.

الحكومة تقول إن عمليات الترحيل ستمهد الطريق لسياحة السفاري والحفظ وصيد الغنائم للأسود والفيلة وغيرها من الأنواع الكبيرة الشهيرة، ما يساعد في حماية البيئة وزيادة التنمية الاقتصادية، وتصف تهجير الماساي بأنه “طوعي”.

الكثير من أفراد الماساي يكذبون تأكيدات الحكومة في تنزانيا بأن عمليات الترحيل ستحسن حياة الماساي، مؤكدين أن الحكومة تواصل إعطاء الأولوية لعائدات السياحة على كل شيء آخر، بما في ذلك أرواح البشر، واتُهمت الحكومة في السابق بمنع وصول الخدمات الصحية الأساسية والمراعي ونقاط المياه لإجبار الماساي على الخروج من المنطقة.

في منطقة نجورونجورو المحمية، هي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. تحتل قرى الماساي جزءًا صغيرًا من الموقع، داخل بلدية LoliondoK، اتُهمت الحكومة التنزانية في يونيو من العام الماضي باستخدام العنف ضد شعب الماساي للاحتجاج على طردهم، ما أثار انتقادات دولية شديدة، لكن قبيلة الماساي تعرضوا لانتكاسة عندما حكمت محكمة إقليمية لصالح عمليات الإخلاء.

اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ومقرها في جامبيا، موجودة حاليًا في تنزانيا للحصول على معلومات حول وضع حقوق الإنسان للشعوب الأصلية في منطقتي لوليوندو ونجورونجورو، حثت العديد من وكالات حقوق الإنسان التنزانية اللجنة على أن تكون محايدة وأن تنظم جلسات استماع خاصة سرية مع ضحايا النزوح ومنظمات المجتمع المدني بعيدًا عن الجهود الجارية التي ترعاها الدولة.

التغيرات المناخية تهدد أراضي الماساي

تسهم أفريقيا بنسبة صغيرة نسبيا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية 3.8 %، مقارنة بالدول الصناعية الكبرى، ورغم ذلك ترتفع درجات الحرارة في القارة بمعدل 1.5 مرة أسرع من المتوسط العالمي، وتؤثر العواقب المدمرة على الصحة وتوافر الغذاء وسبل العيش، مما يترك الملايين يكافحون من أجل البقاء.

تسبب الطقس غير المنتظم المرتبط بتغير المناخ في حدوث موجات جفاف أكثر تواتراً وشدة، وفيضانات متفرقة، إلى النظام البيئي الهش، ما جعل المراعي تخلو بشكل متزايد من الحيوانات البرية، فبالنسبة لمجتمع الماساي، ليس عليهم مقاومة محاولات إجلائهم فحسب، ولكن التغير المناخي أيضا. ففي المناطق المأهولة بالماساي في كينيا، يتسبب الجفاف المدمر في نفوق مئات الآلاف من الماشية، التي تعد مصدرهم الوحيد للدخل والغذاء، فنزح 1.5 مليون شخص قسرا في منطقة الساحل بعد واحدة من أكثر الفيضانات دموية على الإطلاق.

ووجد البحث الذي أجراه جوزيف أوجوتو، كبير الإحصائيين في جامعة هوهنهايم الألمانية وخبير في ديناميات مجموعات الحياة البرية، أنه كان هناك أربع هجرات مختلفة من الحيوانات البرية تحدث في أجزاء مختلفة من كينيا، ولكن ثلاثة من هذه الهجرات قد انهارت.

وقال أوجوتو إن هجرة سيرينجيتي-مارا هي الوحيدة المتبقية – ولكن حتى أعداد الحيوانات البرية انخفضت إلى 203،611 في عام 2022 بنحو 60٪ تقريبًا عن عام 1977، ووجد البحث أن الوقت الذي تقضيه القطعان المهاجرة في مارا انخفض أيضًا، إلى شهر ونصف، مقارنة بـ4 أشهر قبل ذلك.

في الماضي كانت قطعان الحيوانات البرية تمر بالقرب من منازل الماساي المكونة من الطين والقش الواقعة على حافة محمية ماساي مار الوطنية في كينيا، بحسب رويترز، يوضح شيخ الماساي ينجاراريكا نومبونيتو، أن عدد الحيوانات البرية في المنطقة تناقص بشكل كبير، وخاصة في السنوات قليلة الأمطار أو التي لا يسقط خلالها المطر على الإطلاق.

كانت هذه واحدة من أعظم مشاهد هجرة الحيوانات على وجه الأرض، فمئات الآلاف من الحيوانات البرية والحمار الوحشي والغزال تقوم برحلتها السنوية من متنزه سيرينجيتي في تنزانيا عبر الحدود إلى ماساي مارا في كينيا.

لكن مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، فالأعجوبة الطبيعية -التي تجتذب أعدادًا كبيرة من رواد رحلات السفاري الذين يستخدمون المنظار في سيارات جيب مكشوفة كل عام- تتعرض للتهديد، كما يقول دعاة الحفاظ على الحياة البرية.

الماساي توحدوا مع الطبيعة

لقرون توحد الماساي مع الطبيعة، وتواصلوا مع حيوانتها وطيورها، حتى أن مراقبة الطيور لديهم تعتبر تكتيكا للبقاء على قيد الحياة، وغالبا ما تشير مشاهدة طائر نقار الماشية الرمادي والأبيض بعيونه الصفراء الزاهية إلى اقتراب جاموس الماء الخطير، ويعتبر بعض رجال الماساي أن الطبيعة تهتم بهم كما يعتنون هم بها.

بعض علماء البيئة والمناخ يرون أنه يمكن الاستفادة من الماساي، وأن أخذ دروس منهم يعد ضروريا في مواجهة أزمة انقراض الحياة البرية وتغير المناخ لأن معرفة السكان الأصليين بالطبيعة قد تساهم في الجهود الكبيرة لحماية البيئة، وفقدان التنوع البيولوجي.

Facebook
Twitter

أحدث المقالات

سواحل تونس تتحول إلى مقابر مع تزايد غرق قوارب المهاجرين
وشهدت تونس في السنوات الماضية تدفق الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين يحدوهم الأمل إلى العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط
سائرون على الأشواك.. نازحو تيغراي: نخاف العودة للوطن ونخشى الموت خارجه
وفقًا للأمم المتحدة، تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص ما يزالون نازحين داخليًا بسبب حرب تيغراي
أروى صالح.. أتطلع داخلي فلا أجد سوى مقبرة جماعية
خُصوصيّة المأساة عند جيل خاض تجربة التمرّد، هي أنه مَهما كان مصير كلّ واحد مِن أبنائِه، سَواء سار في سكة