زهراء.. اقبلي الزواج مني وإلا قتلتك

آخر الأخبار

اشترك في قائمتنا البريدية

لطالما حلمت زهراء بالزواج من حبيبها ابن القرية والجيران، جبريل. بدأت قصتهما العاطفية خلال فترة الصبا قبل أن تتطور حينما وصلت إلى المرحلة الثانوية. أخيرا، تخرجت زهراء من الجامعة، أشهر قليلة تفصلهما عن الزواج الذي حلمت به طوال حياتها. كل يوم يمر، تعتقد أنه يقربها من حلمها، لم تنقصها سوى موافقة الأب، لكن ليس بهذه البساطة تجري الأمور.
خلال أعوام، نمت المشاعر بين الاثنين. أصبح يشعر بها جميع أهالي قرية تابعة لمدينة القطينة بجنوب الخرطوم. في كل مرة يروهما يباركون ويتمنون لهما السعادة المستقبلية. شخص واحد كان لديه نهاية مختلفة للقصة، ابن العم الراغب أيضا بالزواج من زهراء.
قرر ابن العم أن ينهي حياة زهراء، لرفضها الزواج منه قسرا. كان مشهدا مرعبا أمام والدتها، حينما أطلق الرصاص على الفتاة، لتخترق رأسها وتخرج من الناحية الأخرى. دفعت زهراء حياتها ثمناً لرفضها طلبه الملح الزواج منها، وحبها لشاب آخر.

في السودان، يمكن للفتاة أن تتعرض للقتل في لمح البصر بسبب قصة عاطفية. مجرد سماعها تتحدث في الهاتف مع شاب غريب أو تتواصل معه على مواقع التواصل، يشكل تهديدا خطيرا لحياتها، قد يقود إلى مقتلها. هكذا اعتاد الشباب ارتكاب العنف ضد الفتيات اللاتي ترفض الزواج منهم في السودان.

لا يمر شهر إلا بوقوع حادث مروع لفتاة. اعتاد المواطنون على الوصف الذي تستخدمه الصحافة لمثل هذه الحوادث، “جريمة تهز السودان”، حتى أصبح تكرارها لا يلقي كثيرا من الانتباه.

يغذي ذلك العنف العادات والتقاليد، لاسيما ما يعرف بقضايا الشرف والعفة وهي جرائم غالبا لا تصل إلى المحاكم، خاصة اذا من ارتكب الجريمة أو الانتهاكات من أقرباء الفتاة، أشقائها أو والديها.

عنف في القرى والمدن

لا تقتصر هذه الحوادث في السودان، على القرى فقط، بينما تنتشر في المدن والمناطق الحضرية، بينها العاصمة، الخرطوم، حيث شهدت العديد من الجرائم المروعة بحق الفتيات بسبب مغامراتهن العاطفية. في نهاية أكتوبر من العام الماضي، نحرت فتاة بالسكين في شارع عام بالقرب من منزل أسرتها في منطقة أمبدة بالخرطوم حينما خرجت لتشتري بعض المستلزمات من متجر قريب. كشفت التحقيقات لاحقا عن أن الشاب قتل الفتاة انتقاما منها لرفضها الزواج منه.

بداية الشهر نفسه، لاقت فتاة أخرى مصيرا لا يقل بشاعة عن هذا الحادث. حينما عثرت الشرطة عليها مقتولة، وجثتها مخبأة داخل جوال، والمتهم؟ غير معروف حتى الآن.

في دارفور، يأخذ العنف ضد الفتيات بعدا آخر. مجرد شبهة بتواصل مع شخص غريب يعني الموت، لا خيار آخر. في أكتوبر الماضي، لقيت فتاة مصرعها على أيدي أشقائها جنوبي دارفور، بسبب حديثها مع شخص غريب عبر الهاتف.

وفقا لشهادة أحد الأقارب، لموقع “دارفور 24”، فإن شقيق الفتاة سمعها تتحدث مع شخص آخر عبر الهاتف. وعلى الفور، انهال عليها ضربا بالعصا وركلا بالأرجل، قبل أن ينضم إليه آخرون من أفراد الأسرة، لتلفظ أنفاسها الأخيرة.

فتاة أخرى قتلت على يد 3 من أبناء عمومتها، الذين سمعوها مع شاب غريب عبر الهاتف. اتفق الثلاثة على استدراجها إلى واد قريب من القرية، ووثقوها في جذع الشجرة، قبل البدء في تعذيبها حتى الموت. وبدم بارد، سلم الجناة أنفسهم للشرطة، وكأنه فخر لهم ما نفذوه.

جرائم القتل بسبب الإرغام على الزواج والعلاقات العاطفية لا تتوقف مما دفع بان تتقدم إدارة الأسرة والطفل بوزارة الشئون الاجتماعية وشؤون المرأة والطفل بإحدى المناطق في دارفور بمذكرة للحكومة لصدور قرار حكومي بإيقاف التسويات الأهلية في جرائم تعذيب وقتل النساء بسبب العلاقات العاطفية والمشاكل الأسرية.

الولي يتحكم في كل شيء

في المجتمع السوداني، تفقد الفتيات أي فرصة للاختيار. تعطي التقاليد والسلطات كل الحق للوالد أو الأسرة في اختيار زوجها المستقبلي. ليس من السهل أن تقول لا. إذا حاولت الفرار، ستتولى السلطات نفسها ردعها وتسليمها للمصير الذي اختارته عائلتها. لا نجاة سهلة في مجتمع يضع كل شروط الاختيار في يد غير يد صاحبه.

في يناير 2021، فرت فتاة قاصر، بعمر 17 عاما وعشيقها البالغ 20 عاما، بإحدى ولايات السودان، وقدما إلى الخرطوم بهدف إتمام زواجهما عبر المحكمة. ظن الحبيبان أن السلطات ستأخذ صفهما لتحقيق أمنيتهما واختيارهما. لكن خاب أملهما سريعا حينما اعتقلتهما الشرطة فور وصولهما للعاصمة وأحالتهما للتحقيق.
تحركت الشرطة بناء على طلب من والد الفتاة الذي قيد محضر يطلب باسترجاع ابنته. خلال التحقيقات، حكت الفتاة قصتها عسى أن تثير مشاعر السلطات ويأخذون صفها: “قصة حب نمت بيني وبين هذا الشاب. تقدم لخطبتي لكن الأسرة رفضت، ورغبت في تزويجي لشخص لا أرغب في الارتباط به، فقررت الهروب إلى الخرطوم للزواج عبر المحكمة”.

جاءت خطة الفتاة بعد شهر واحد من نجاح أخرى، تدعى إحسان، هربت من قريتها إلى العاصمة الخرطوم، للزواج عبر المحكمة من عشيقها. تحولت إحسان إلى مصدر إلهام للهروب من شرط الوالي، الذي يفرضه الزواج الديني. خلال الشهور التالية للحادث، سجلت الشرطة العديد من حالات الهروب لفتيات من أسرتهن وتقديمهن طلب للزواج عبر المحكمة.

يعلق اختصاصي الطب النفسي في السودان، علي بلدو، لصحيفة “الركوبة” المحلية، على هذا الوضع، شارحا أن المجتمع السوداني بات يحارب الحب، الذي بات في طريقه للانقراض قريبا، مؤكدا أن: 

عيد الحب بات تذكيرا للمرأة السودانية بحجم المأساة اليومية التي تعيشها، إضافة إلى الاضطهاد الوجداني والابتزاز العاطفي والعنف المعنوي والجسدي القائم على النوع الاجتماعي، الذي يمارس ضدها.

ممنوع قول لأ

إذا لم تستطع الفتاة الهرب تجبر على الزواج القسري، وليس لديها الحق لرفض العلاقة الزوجية. نورا حسين كادت أن تدفع حياتها بعدما حاولت أن تتصدى لمحاولة اغتصابها.

في 2018، حُكم على الفتاة القاصر نورا حسين بالإعدام بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار بعد طعن الذي أجبرت على الزواج منه عندما كانت في السادسة عشر من عمرها. وقاومت محاولة زوجها اغتصابها.

أثار حكم الإعدام سخطا واسعا إذ دعا مشاهير حول العالم، بينهم عارضة الأزياء نعومي كامبل والممثلون ميرا سورفينو وإيما واتسون وروز ماكجوان، إلى إسقاط الحكم.

تدخلت الأمم المتحدة عبر وكالتين تابعتين لها ومكتب الأمم المتحدة للمستشار الخاص لإفريقيا لطلب السلطات السودانية بعدم إعدام الفتاة. أمام هذا الجدل، تراجعت المحكمة عن الحكم، وأدانت الفتاة بالقتل غير العمد وحكم عليها بالسجن خمس سنوات.

في فترة الحكم الإسلامي للسودان تزايدت حوادث الاعتداء والانتهاكات ضد النساء ولم يسلمن من سياط الترهيب والإذلال. دفع ذلك عددا منهن إلى تأسيس مجموعة “لا لقهر النساء” كمبادرة لنقد العنف الهمجي من المجتمع، والقهر المنظم من أجهزة الدولة تجاه النساء.

ترى القائمات على المبادرة أن العنف يستهدف تحجيم دور النساء وإقصائهن من الفضاء العام سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، رغم المكاسب التي انتزعنها المراة السودانية بنضالها منذ أكثر من نصف قرن.

مع ذلك، تبدو محاولتهن لإنهاء العنف بسبب خيارات النساء العاطفية حلما صعب المنال، فكثير من الفتيات حرمن من الزواج من أحبائهن وواجهن قمعا أسريا من أزواجهن قاد بعضهن إلى قتل الزوج وصولا إلى الانتحار، وربما لن تكون زهراء ومثيلاتها آخر ضحايا هذه الجرائم المأساوية.

Facebook
Twitter

أحدث المقالات

سواحل تونس تتحول إلى مقابر مع تزايد غرق قوارب المهاجرين
وشهدت تونس في السنوات الماضية تدفق الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين يحدوهم الأمل إلى العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط
سائرون على الأشواك.. نازحو تيغراي: نخاف العودة للوطن ونخشى الموت خارجه
وفقًا للأمم المتحدة، تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص ما يزالون نازحين داخليًا بسبب حرب تيغراي
أروى صالح.. أتطلع داخلي فلا أجد سوى مقبرة جماعية
خُصوصيّة المأساة عند جيل خاض تجربة التمرّد، هي أنه مَهما كان مصير كلّ واحد مِن أبنائِه، سَواء سار في سكة