النيجر.. بعد أن تحركت الدبابات وقبل أن تهبط الطائرات

آخر الأخبار

اشترك في قائمتنا البريدية

يوما بعد يوم، يزداد المشهد تعقيدا في النيجر على خلفية الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو، ووضع حياته على المحك، في ظل شكواه المتكررة من ظروف اعتقاله البائسة، في وقت يراقب الجميع بحذر ما سيحدث في الأيام وربما الأسابيع المقبلة لفض هذا المشهد، سواء بتدخل عسكري وشيك من الجيران، قد يؤجج التوترات، أو بهبوط حل دبلوماسي يريح جميع الأطراف.

تصدرت النيجر الدولة الفقيرة اقتصاديا والغنية بالموارد المعدنية، الاهتمام الدولي في الأسبوعين الماضيين، إلى الحد الذي جعلها محورا بارزا في نشرات أخبار القنوات العالمية والصحف الدولية ذائعة الصيت، فيكاد لا تخلو تغطية إخبارية من متابعة مستجدات ما يحدث في نيامي.

رغم أن الانقلاب في النيجر يبدو مألوفا لدولة إفريقية لطالما حكمها العسكر وذاقت مرارة الانقلاب مرارا وتكرارا منذ استقلالها عن فرنسا في 1960، لكن هذا الانقلاب اكتسب زخما كبيرا بسبب حساسية توقيته في خضم تنافس روسي غربي على معارك النفوذ في أفريقيا.

تقاوم فرنسا بشدة محاولات إقصائها من غرب الساحل بعد طرد قواتها من مالي وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى، حيث يعد الرئيس الذي أزاحه العسكريون، محمد بازوم، حليفا قويا لها في الحرب ضد المتشددين، وشريكا اقتصاديا هاما ويعد من بين آخر القادة الموالين لها في هذه المنطقة ذات النفوذ التاريخي لباريس.

تنظر فرنسا إلى النيجر بأكثر من عين، فهي الممول الأول لاحتياجاتها من اليورانيوم، كونها سابع أكبر منتج له في العالم، فضلا عن امتلاكها كميات كبيرة من احتياطيات الذهب والنفط.

كما تحتل النيجر مكانة استراتيجية مهمة لدى باريس، فهي حليف في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وتستضيف قاعدة عسكرية فرنسية بها نحو 1500 من القوات الفرنسية.

ما صب الزيت على الماء هو إظهار الانقلابيين النيجرييين رغبتهم في إنهاء التواجد الفرنسي ببلادهم، واستبدالهم بالروس، حيث ظهرت ألوان العلم الروسي فجأة في الشوارع عقب الإطاحة ببازم، واتهم متظاهرون مؤيدون للمجلس العسكري، فرنسا بنهب ثروات بلادهم.

عداء إفريقي لفرنسا

برأي الباحث الروسي دينيس كوركودينوف، رئيس المركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ، فالانقلاب الذي حدث في النيجر هو رد فعل طبيعي على المظاهر المكروهة في الوقت الحالي للاستعمار الفرنسي والنمو المستمر للنشاط الإرهابي للجماعات المحلية من الإسلاميين الراديكاليين.

النيجر حاليا واحدة من أفقر دول العالم، وفي الوقت نفسه يتم تزويدها بأكثر من ملياري دولار سنويًا من المساعدات الدولية، منها حوالي 400 مليون دولار خصصتها فرنسا. ومع ذلك، فإن هذا الدعم المالي المقدم للنيجر تراكم بسرعة كبيرة في أيدي النخبة السياسية النيجرية، التي استمرت في الثراء، بينما كان المواطنون العاديون في البلاد لا يزالون على وشك الانقراض المادي، الأمر الذي أنتج هذا الوضع، هذا ما يعتقده دينيس.

يشير رئيس المركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ، في حديثه لـ”أصوات أفريقية”، إلى أن النيجر باتت تعتمد بشكل شبه كامل من الناحية المالية على الجمهورية الفرنسية والولايات المتحدة، اللتين تستخدمان البلد كقاعدة ليس لمقاتلة الجهاديين في منطقة الساحل بغرب ووسط إفريقيا، ولكن للتعدين المستمر، وقبل كل شيء اليورانيوم والماس والذهب.


تراكم الدعم المالي المقدر بـ 2 مليار دولار سنويا والمقدم من فرنسا، في يد النخبة السياسية النيجرية، في حين عانى باقي الشعب من الفقر المدقع.

ومع ذلك فإن المقاومة الشعبية لسكان النيجر الذين تلقوا أدلة واضحة على أن بلادهم تعرضت للنهب من قبل “الشركاء الدوليين” تسببت في قلق بالغ في الدول الغربية. على مدى سنوات، خشي الغرب وصول عدم الاستقرار إلى النيجر والذي يمكن أن يزعزع استقرار شمال إفريقيا، مما سيقود بدوره إلى تفاقم أزمة الطاقة والاقتصاد في أوروبا.

دور روسيا وفاغنر

يتزامن انقلاب في النيجر مع خطوات روسية واضحة لبسط نفوذها في أجزاء كبيرة بالقارة السمراء، عبر أكثر من بوابة، تنموية وأمنية، والدلالة على ذلك استضافة سانت بطرسبرج القمة الروسية الإفريقية قبل أسبوعين من الآن، بحضور 17 قائدا إفريقيا وممثلين عن نحو 50 دولة أفريقية، ما يعكس التقارب الروسي الإفريقي في مرحلة تشهد تجاذبات على المستوى العالمي ورغبة ملموسة لكسر الدب الروسي لعزلته التي فرضتها عليه الحرب الأوكرانية.

من خلال هذه المعطيات، جرى التعامل مع انقلاب النيجر على أنه بمثابة صفعة روسية جديدة للغرب، حيث توجد الكثير من المؤشرات على مباركة الكرملين للتحركات العسكرية لإزاحة محمد بازوم من السلطة، تمثلت في تصريحات رئيس شركة فاغنر بأن التحرك يعد تتويجا لكفاح الأمة النيجرية ضد المستعمرين، وإن كان فلاديمير بوتين أظهر وجها دبلوماسيا محنكا بتمكسه بالحل الدبلوماسي في هذه الأزمة.

فبحسب تعبير الكاتب الأمريكي ديفيد أنديلمان، فإن ملف النيجر يمثل التحدى الأخير للديمقراطية فى إفريقيا، وفرصة لموسكو لتوسيع نطاق سيطرتها على المنطقة من خلال مجموعة المرتزقة الخاصة التابعة لها، فاغنر.

يرى أندليمان في مقال نشره في شبكة “سي أن أن” الأمريكية، أن الاستيلاء على السلطة فى النيجر يمكن روسيا من إحكام قبضتها على منطقة الساحل، التى تبلغ مساحتها حوالى 1.2 مليون ميل مربع من البلدان التى يبلغ عدد سكانها أكثر من 80 مليون نسمة، لذلك يدعم الكاتب الأميركي أى تحركات تقوم بها دول غرب إفريقيا للإطاحة بالمجلس العسكرى واستعادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، بما فى ذلك دعم أى عمل عسكرى قد تكون الديمقراطيات الإفريقية الأخرى على استعداد للقيام به.

أي دور لروسيا في النيجر؟

مقابل ذلك، لا يرى رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ، كوركودينوف، أن موسكو تلعب دورا محوريا في أزمة النيجر، فهو يعتبرها دعاية غربية مبالغ فيها إلى حد كبير، وذلك رغم أن روسيا لم تتأخر عن عرض مساعدتها على قادة المجلس العسكري على تحقيق أهدافهم، في ظل رغبتها في توسيع محفظة شركائها وتقليل الوجود الأوروبي.

يشرح: “منذ بداية الانقلاب العسكري، اتخذ الكرملين موقفًا ناعمًا للغاية تجاه المتآمرين، مدركًا أن المحرك الرئيسي للمصالح الروسية في منطقة الساحل هو شركة فاغنر العسكرية الخاصة، برئاسة يفغيني بريغوزين. لذلك يُدلي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتصريحات حذرة وموجزة للغاية، على الرغم من أنه بالتأكيد لديه مصلحة كبيرة في إخراج فرنسا والولايات المتحدة من النيجر. القوة الرئيسية التي بفضلها يستطيع الكرملين تحقيق أي نجاحات عسكرية سياسية في القارة الأفريقية، هي بالتحديد مجموعة فاغنر”.

يتابع: “من المؤكد أن شركة فاغنر ممثلة على نطاق واسع في نزاع النيجر، ومع ذلك فإن هذه المشاركة ليست كبيرة كما يتم تقديمها في الصحافة الغربية”.

ينبه إلى أن مصالح الغرب في شن حرب في النيجر واضحة، لكن من غير المرجح أن تشارك الولايات المتحدة وفرنسا في الصراع بشكل مباشر، وهو ما يعزز احتمالات أن تتحول إلى منطقة توتر عسكري غربي روسي، بفضل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، التي تسعى جاهدة من أجل الحفاظ على السلطة في أفريقيا، إضافة إلى ممارسة القوى الغربية الضغط لإثارة مزيد من التصعيد في التوترات الإقليمية.

العمل العسكري محل شك

في المقابل، مازالت عملية التدخل العسكري محل شك عند الأطراف الدولية المراقبة للمشهد في نيامي، وكذلك دول غرب إفريقيا التي تتبنى موقفا راديكاليا من الانقلاب على بازوم، حيث نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن مسؤول عسكري كبير في إحدى دول مجموعة إيكواس توقعه أن أي تدخل عسكري لإنهاء الانقلاب في النيجر يحتاج إلى تحضير يستغرق 6 أشهر.

وأوضح المسؤول العسكري أن قوة الاحتياط التابعة لإيكواس عبارة عن “قشرة فارغة”، حسب تعبيره، تحتاج إلى التعبئة بالجنود والعتاد.

ونقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤول دفاعي أميركي رفيع قوله إن التهديدات المضادة من مالي وبوركينا فاسو وغينيا والقوات التي استولت على السلطة في النيجر قد تردع إيكواس عن اتخاذ إجراءات عسكرية.

مع ذلك، يعلم الكاتب الأمريكي ديفيد أنديلمان أنه ليس من المحتمل أن يتم التوصل لأى شىء فى النيجر من خلال الحلول الدبلوماسية، لذا اتخذت الولايات المتحدة خطوة أولى فى إظهار معارضتها للانقلاب من خلال إيقاف بعض برامج المساعدات، لكنها لم ترق إلى مستوى الإجراءات التى اتخذتها فرنسا، بدعم تحركات “إيكواس” وتبني التدخل العسكري بشكل مباشر.

 

Facebook
Twitter

أحدث المقالات

سواحل تونس تتحول إلى مقابر مع تزايد غرق قوارب المهاجرين
وشهدت تونس في السنوات الماضية تدفق الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين يحدوهم الأمل إلى العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط
سائرون على الأشواك.. نازحو تيغراي: نخاف العودة للوطن ونخشى الموت خارجه
وفقًا للأمم المتحدة، تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون شخص ما يزالون نازحين داخليًا بسبب حرب تيغراي
أروى صالح.. أتطلع داخلي فلا أجد سوى مقبرة جماعية
خُصوصيّة المأساة عند جيل خاض تجربة التمرّد، هي أنه مَهما كان مصير كلّ واحد مِن أبنائِه، سَواء سار في سكة