spot_img

ذات صلة

جمع

خيمة في المنفى وحلم مؤجل بالعودة.. لاجئو السودان بأوغندا يرسمون ملامح “وطنهم البديل”

وبحسب الأرقام، فقد فر أكثر من 3 ملايين شخص من السودان منذ بداية الحرب قبل أكثر من 20 شهرًا، إلى دول مثل مصر وتشاد وجنوب السودان، وليبيا وحتى إفريقيا الوسطى وأوغندا. أما الذين بقوا في الداخل السوداني، فقد نزحوا إلى مناطق أخرى هربًا من مناطق الصراع.

بطل بلا سقف| سالم والكورنيش: حين تصبح الشوارع وطنًا للمنسيين

في زحمة الحياة على كورنيش النيل، يلتقي المارة بوجوه...

من مصر والسودان إلى نيجيريا والنيجر.. كيف تضاعفت مبيعات الأسلحة التركية بإفريقيا؟

استطاع الجيش السوداني قلب المعادلة بشكل جزئي في المواجهات...

إما الإذعان أو الإفقار.. عن”المال الغربي” والسيادة الإفريقية

المساعدات الدولية، حتى لو كانت الدول الإفريقية نفسها حريصة على تلقيها، تميل إلى جعلها تغفل عن مصالحها الأساسية.

وما ذنب الأشجار؟.. مصر تتحضَّر لـ”محو الأخضر”


خلال الأعوام الأخيرة، تغير الروتين اليومي لشكري أسمر، المقيم في حي هليوبوليس، شرقي العاصمة المصرية القاهرة، فبعد أن كان يقضي معظم وقت فراغه في التنزه بدراجته أو على أقدامه مع طفليه، أصبح مجرد أن يخطو خطوة واحدة في الشارع بمثابة مخاطرة كبيرة تستحق التفكير مرتين.
يتذكر أسمر، الذي يعمل كفني طبي، كيف كانت الحياة جميلة في حيه التاريخي، كانت الأشجار في كل الشوارع والنوادي والحدائق، وكان الخروج بمثابة نزهة جميلة لنسيان يومه الشاق في العمل أو قضاء وقت مع أطفاله في التنزه.

لكن خلال السنوات الأخيرة، أصبح النزول إلى الشارع يثير لديه مشاعر الحسرة والغضب، مع استحالة الحياة تحت أشعة الشمس الحارقة، والحرارة المميتة. بينما يغطى شبح اللون الأسمنتي القبيح الشوارع والمباني والفضاءات، ليمحوا في طريقهم كل ظل ولون أخضر على مدى البصر.

الحرب على المساحات الخضراء


أثارت موجات الحرارة غير المسبوقة والمتلاحقة التي تضرب مصر خلال الشهر الأخير، الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مع تزامنها وقطع الأشجار الذي شهدته المدن المصرية على مدار الأعوام الماضية. سجلت مدينة أسوان، الأسبوع الماضي، أعلى درجة حرارة في الكوكب خلال يوم واحد، مع استمرار الموجة، الأمر الذي تسبب في وفاة 40 شخصا بحسب تقديرات محلية، يضاف إلى ذلك، وفاة أكثر من 50 مهاجرا سودانيا خلال محاولتهم العبور إلى مصر، هربا من الحرب التي تشهدها بلادهم.
وعلى مواقع التواصل، تكثر التساؤلات بشأن تفسيرات شت السلطات حربا بلا هوادة على الأشجار ، واقتلاعها أي مساحة خضراء تقع عليها أعينها، في حين تعاني مصر بشدة من تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تفتك بالبشر والشجر.
البعض ذهب إلى رغبة الحكومة في تقليل استهلاك الأشجار من المياه الجوفية أسفل المدن، والبعض الآخر، فسرها ببيع هذه الأشجار لمصنعي الفحم من قبل المحليات، آخرون فسروا الوضع بمحاولة الحكومة خلق قيمة مضافة للأحياء الجديدة التي تبنيها والتي تتوفر فيها المساحات الخضراء. لكن لا أحد اقترب من الحقيقة المطلقة في ظل صمت حكومي معتاد.
على الجانب الآخر، يحاول البعض من الموالين للحكومة، تفسير ذلك بداعي التطوير وخلق قيمة مضافة للمساحات العامة كبناء متاجر أو مقاه أو توسعة الطرق، مع التقليل من أهمية الأشجار في محاربة الاحتباس الحراري.
ورغم غياب التفسيرات حول أسباب هذه الحملة، لكن ما هو مؤكد أن المدن المصرية فقدت جزءا كبيرا من مساحتها الخضراء، في الوقت الذي تتناثر الدعاية الحكومية من كل شاشة تلفاز وهاتف بشأن الحملة المسماة “اتحضَّر للأخضر”، بينما تكشف الأرقام كيف أن السلطات شنت مذبحة حقيقية ضد الأشجار والنباتات وصولا إلى الزراعات في العموم.
تكشف أرقام حلول السياسات البديلة، وهو مشروع بحثي أطلقته الجامعة الأمريكية في القاهرة أن القاهرة فقدت حوالي 911 ألف متر مربع من المساحات الخضراء بين 2017 و2020، جاء النصيب الأكبر في منطقتي مصر الجديدة وشرق مدينة نصر. وقفت الاحصاءات في عام 2020، ولم تظهر أي دراسات ما فقدتها العاصمة المصرية منذ حينها.
هذا التدمير فاقم بشكل كبير من ضآلة نصيب الفرد في العاصمة المصرية من المساحات الخضراء، إذ انخفض نصيف الفرد بين 2017 و2020، من 87 سم إلى 74 سم.

هليوبوليس.. من جنة خضراء لكتلة أسمنتية قبيحة

بني هليوبوليس المهندس البلجيكي البارون إدوار إمبان عام 1905، كي يصبح حيا صغيرا على الطراز الأوروبي على أطراف العاصمة المصرية حينها.
وعلى مدار أكثر من قرن، حافظ الحي على رونقه، وعرف بأشجاره في كل مكان والحدائق المفتوح للزوار، قبل أن يشهد تحولا مأسويا خلال الأعوام الأخيرة، فلحظه العسر، وقع على المسار الرابط بين القاهرة والعاصمة الإدارية.
وضمن خطة التطوير، أزالت السلطات الجزء الأكبر من الأشجار في الطرق الرئيسية من أجل توسعتها، كما تم تدمير العديد من الحدائق من أجل بناء مواقف سيارات ومقاهي ومحلات تجارية.
بالنسبة لشكري أسمر، فالحي التاريخي العريق فقد جماله وهويته بل ومعالم الحياة بداخله شيئا فشيئا، فتحول إلى ما يشبه كتلة أسمنتية قبيحة.
يضيف ل”أصوات إفريقية”: “لم يكن الأمر تطويرا، لقد ذبحوا غالبية الأشجار بالمعنى الحرفي، فقط من أجل توسعة بعض الطرق، غير مكترثين بطمس معالم الحياة في المنطقة، ودون شعور بحجم جريمتهم ولا آثارها”.
في عام 2011، أطلق شكري أسمر، مع مواطنين آخرين في حيه، مشروع “مبادرة تراث مصر الجديدة”، لمنع تدمير المباني التاريخية، ظلت المبادرة من دون نشاط كبير خلال سنواتها الأولى لعدم وجود أعمال تدمير هامة في الحي، لكن بمجيء عام 2015، تغير كل شيء، بعدما شنت السلطات حملة لإزالة أكبر حديقة في الحي، الميريلاند. ورغم نجاح المبادرة في التصدي لهذه المحاولة، لكن الحملة تسببت في إزالة جزء من الأشجار التاريخية فيها. ورغم تعليق قرار الإزالة، أعلنت السلطات غلق الحديقة لأجل غير مسمى.
بمجيء عام 2017، كثفت السلطات من هجماتها الشديدة ضد المساحات الخضراء، يشرح أسمر؛ “في هذا العام، جاء عشرات البلدوزرات إلى الحي وأزالت كل شجرة وأي مساحة خضراء تظهر أمامهم، وكانت الحجة توسعة الطرقات”.
وشهد العام نفسه إزالة جزء من حديقة غرناطة لتحويله إلى موقف للسيارات، والذي افتتحه رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي في فبراير 2019. ظل الجزء الآخر في مرمى الحكومة، الذي تم هدمه بالفعل في يوليو 2022، من أجل إنشاء مركز تجاري عليها. في غضون بضعة أعوام، اختفت هذه الحديقة تماما من على خريطة الحي.
جولة على الصفحة الرئيسية لمبادرة تراث هليوبوليس، تظهر كيف تحولت مساحات خضراء إلى طرق أسمنتية، وحدائق إلى متاجر خرسانية. يشرح شكري، “خلال خمسة شهور بين 2018 و2019، أحصينا اختفاء 396 ألف متر مكعب من المساحات الخضراء من حي مصر الجديدة، توقفنا بعدها عن الاحصاء جراء عدم القدرة على مواكبة هذه الحملة التدميرية”.

تدمير غير مسبوق.. ومبادرات حكومية “على الورق”

يحصي مشروع حلول السياسات البديلة أن مصر الجديدة ومدينة نصر فقدا 584 ألف من المساحة الخضراء في الفترة بين 2017 و2020، لكن بالنسبة لمبادرة تراث مصر الجديدة، فالمساحة المفقودة من الحيين قد تتخطى 1.2 مليون متر مكعب حتى العام الماضي.
يوضح شكري أسمر، “المشكة أن المسؤولين يحترقون المساحات الخضراء ولا يدركون أهميتها، حينما كنا نقابل مسؤولين يحاولون تدمير أشجار في الحي، كانوا يسألوننا: لماذا تريدون أشجارا في المدينة؟ أذهبوا إلى المناطق الزراعية”.
في عام 2020، أطلقت الحكومة المصرية مبادرة “اتحضر للأخضر”، من أجل توعية الحكومة بالمشكلات البيئية، أثار هذا الأمر سخرية شكري ومبادرة تراث مصر الجديدة، “كنا نحضر ندوات اتحضر للأخضر في أحدى القاعات في الحي، وفي خارج المبنى، كان عمال الأحياء يقطعون الأشجار. أنها الحكومة من تحتاج إلى توعية وليس المواطنين”.
يدرك شكري أن توسعة الطرق على حساب الأشجار بحسب شكري، الأمر الذي زاد من استخدام السيارات أو البقاء في المنزل تحت التكييف. الخروج إلى الشارع ومحاولة عبورة أصبح خطرا أيضا، إذ يسقط العديد من الضحايا جراء الطرق السريعة التي تعبر الحي.

spot_imgspot_img