بوجه حزين، واستسلام تام مع دموع تجاهد عيناها أن تقاوم خروجها، جلست شابة أمام سيدتين تمسكان مقص الشعر. على الفور، وأمام الكاميرا، بدأت السيدتان في حلاقة شعرها بشكل كامل.
تبلغ الفتاة النيجيرية من العمر 23 عاما. للوهلة الأولى يبدو أنه تخضع لعقاب على جرم ما قد ارتكبته. لكن يبين المكان الذي تعيش فيه حقيقة أخرى، فالفتاة لم ترتكب أي جرم، فقط سوى أن حظها جعلها أرملة.
انتشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، في سبتمبر من العام الماضي. وكتب أسفله: “إلهي، متى سأكون بحالة جيدة، هذا الألم أكبر مني، أصبحت أرملة في سن الـ23”، أثارت الواقعة جدلا واسعا في البلاد، وسلطت الضوء على ظاهرة واسعة الانتشار.
الأرامل في نيجيريا
تضم نيجيريا أكثر من 15 مليون أرملة، ولكن على عكس بقية الأرامل حول العالم، تواجه المرأة النيجيرية مصيرا كارثيا في مجتمع بطريركي، فتصبح المشتبه الأول بها في وفاة زوجها. فبمجرد لفظ أنفاسه، تسلب منها فجأة جميع حقوقها، ويتم وصمها، وتواجه معاملة قاسية مع ازدراء واحتقار من الأسرة وباقي المجتمع.
مع موت الزوج، تتغير حياة المرأة بشكل كامل، يعمل المجتمع على سلب إنسانيتها، لم يعد لها أي حق في تغيير ملابسها أو حتى الاحتفاظ بشعرها. ليس لها حق العلاج. تتعرض لأصناف التعذيب وطقوس حداد صعبة، مثل قص الشعر وتشويهها ووضعها في عزلة قسرية، أو التعري كاملا والبقاء بجانب قبره. في بعض الأحيان، تجبر الأرملة على الزواج بشقيق زوجها أو والده.
وفي بعض الثقافات النيجيرية، يجعل الترمل المرأة تلقائيًا “نجسة” وتتطلب “تطهيرًا طقسيًا”، وتحبس في مساحة معينة لفترة محددة، وتُجبر على تناول الطعام من الأطباق المكسورة والنوم على الأرضية العارية، لا يسمح لها بالاستحمام، ويتم منعها من تغيير ملابسها ومن الزراعة والقيام بالأعمال المنزلية والذهاب إلى السوق خلال فترة الحداد.
لا إرث لا عمل ولا رحمة
في دراسة نشرتها المحاضرة في علم الاجتماع بجامعة نامدي أزيكيوي النيجيرية، بليسينج أونيما على موقع “ذا كوفنرسيشن”، أوضحت أن الأرملة لا تفقد إنسانيتها فحسب مع موت زوجها، إذ أنها تعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية صعبة. فعلى الفور، مع موت الزوج، تفقد الحق في إرث أرض أو ممتلكات زوجها، ويجب عليها فقط إعالة أطفالها، دون مساعدة من أي أحد. يتعدى الأمر ذلك، إذ تفقد المرأة أيضا كل مكتسباتها أو مدخرات حققتها هي.
أيضا، تواجه الأرامل أزمة في إيجاد فرص العمل مع تعنت المجتمع معهن، الأمر الذي يضعهن تلقائيا في خانة الفقر، وعدم القدرة على تمويل تعليم أطفالهن.
في عام 2006، فقدت أليس إيبيتوي، زوجها عبدالمؤمن بعد زواج استمر 9 سنوات، لتجبر على عدم الخروج من منزلها نهائيا، وقص شعرها، وعدم الاستحمام، وارتداء زي واحد، حتى لا تتهم بأنها مسؤولة عن وفاته، وتتعرض لتساؤلات، مثل لماذا تبدين جيدة بينما مات زوجك؟ وفقًا لمعتقدات عائلته.
حياة أليس -التي حلمت بأن تكون مصممة أزياء، لكنها أصيبت بالتهاب العظم والذي أثر على حركتها، تبدلت بوفاة عبدالمؤمن، فرفض أهل زوجها مساعدتها على تربية طفليها ما لم تتنازل عن حضانة الأطفال.
لجأت أليس إلى التبرعات من أهل الحي، وما تزال بعد 15 عاما، تكافح لدفع إيجارها وهدد المالك أسرتها عدة مرات بالإخلاء. بينما لا يمكن لأطفالها الذين تتراوح أعمارهم الآن بين 19 و16 عامًا، مواصلة تعليمهم بعد المدرسة الثانوية لعدم وجود مال كاف، وعدم قدرة والدتهم على العمل.
ضحية في الحياة.. مذنبة في نظر المجتمع
معاناة أليس أخف بكثير من أبيمبولا أوجوندير، 44 عامًا، الذي انتحر زوجها في عام 2016، وترك لها 6 أطفال.
في نيجيريا، الانتحار من المحرمات، ومن الشائع أن يعتقد الناس علانية أن الأرملة قد تكون مسؤولة عن ذلك. دفعت أبيميولا الثمن غاليا. رفضت عائلته التعامل معها، أو مساعدة أطفالها، متهمينها بالسبب في انتحاره.
اضطرت أبيمويلا وأطفالها إلى مغادرة المنزل الذي كانت تستأجره، لأن المالك اعتقد أن موته نذير شؤم، لا يريد أن يكون له علاقة به، واتهم الجيران أبيمبولا بالجنون بسبب حالتها النفسية بعد وفاته، وبعد مرور 5 سنوات، لازالت تكافح ماليا، وبحسب ما تقول، هناك أيام لا يأكلون فيها وشهور تضطر فيها إلى التسول في مدارس أطفالها لأنها لا تستطيع تحمل الرسوم.
المصير العسر ينتظر للأرامل في جنوب نيجيريا، إذ تلقائيا يُتهمن بقتل أو التسبب في موت أزواجهن. بعض المجتمعات النيجيرية في الجنوب، تجبر الأرملة على الشرب أو الاستحمام بالماء المستخدم لغسل جثة الزوجة اعتقادًا منهم بأن ذلك سوف يقتلها إذا كانت مذنبة في وفاته أو لإجبار الزوجة على إعلان براءتها أمام إله محلي، فضلًا عن إجبار البعض منهن على ممارسة الجنس مع الجثة أو الأقارب، وارتداء ملابس خاصة (فساتين بيضاء أو داكنة) وحلق شعرهن طوال فترة الحداد.
يعترف القانون التشريعي في نيجيريا بحق الأرملة في أن ترث من زوجها، ولكن من الطبيعي أن يطلب أصهار الأرملة دفتر شيكات الزوج ورقم التعريف الشخصي وتفاصيل الحساب الخاص به، ولا تتم استشارتهن عند مناقشة الأمور التي تتعلق بهن وأطفالهن من أزواجهن. يتم استبعاد الأرامل والنساء على حد سواء من المناقشات حول إرث الأراضي، بحسب دراسة بلسينج أونياما.
ولا يرى الجميع في إساءة معاملة الأرامل انتهاكًا لحقوق الإنسان، حيث يجوز لأسرة الزوج وأقاربه والجمعيات النسائية المحلية أو الزوجات الزميلات فرض ممارسات ضارة على الأرملة، لأنها متجذرة في الثقافة.
وفي عام 2015، حظرت نيجيريا ممارسات الوصم هذه بموجب قانون حظر العنف ضد الأشخاص وتخضع لغرامة قدرها 500000 نايرا (1220 دولارًا أمريكيًا) أو السجن لمدة عامين، ولكن حتى الآن فقط 23 ولاية من أصل 36 ولاية في نيجيريا اعتمدت هذه القوانين رسميًا في قوانينهم الخاصة، كما أن الممارسات الثقافية تستمر بغض النظر عن القوانين.
بين خياري الانتحار أو الإدمان
هذا التمييز والمعاملة القاسية ضد الأرامل له تأثير نفسي صعب عليهن وعلى الأطفال اللائي يقمن بتربيته. مع غياب الدعم المالي أو المساندة الأسرية، تصبح النساء في حالة نفسية صعبة، وضعيفات أمام المجتمع. تقود حالة العزل القسري إلى تدمير ما تبقى من عقولهن ونفسيتهن.
أمام هذا الفقر والبطالة والأوضاع الجسدية والنفسية الصعبة، تلجأ الكثير من الأرامل إلى الانتحار أو إدمان المخدرات. خلال الأعوام الأخيرة، باتت تلتفت بعض منظمات المجتمع المدني إلى المصير الصعب الذي تواجهه الأرامل، وتعمل على تقديم المساعدات والدعم النفسي لهن للخروج من أزمتهن.