spot_img

ذات صلة

جمع

خيمة في المنفى وحلم مؤجل بالعودة.. لاجئو السودان بأوغندا يرسمون ملامح “وطنهم البديل”

وبحسب الأرقام، فقد فر أكثر من 3 ملايين شخص من السودان منذ بداية الحرب قبل أكثر من 20 شهرًا، إلى دول مثل مصر وتشاد وجنوب السودان، وليبيا وحتى إفريقيا الوسطى وأوغندا. أما الذين بقوا في الداخل السوداني، فقد نزحوا إلى مناطق أخرى هربًا من مناطق الصراع.

بطل بلا سقف| سالم والكورنيش: حين تصبح الشوارع وطنًا للمنسيين

في زحمة الحياة على كورنيش النيل، يلتقي المارة بوجوه...

من مصر والسودان إلى نيجيريا والنيجر.. كيف تضاعفت مبيعات الأسلحة التركية بإفريقيا؟

استطاع الجيش السوداني قلب المعادلة بشكل جزئي في المواجهات...

إما الإذعان أو الإفقار.. عن”المال الغربي” والسيادة الإفريقية

المساعدات الدولية، حتى لو كانت الدول الإفريقية نفسها حريصة على تلقيها، تميل إلى جعلها تغفل عن مصالحها الأساسية.

الشهيدات يعدن هذا الأسبوع.. حروب ومعاناة بتفاصيل نسائية

كتب الروائي الجزائري الشهير الطاهر وطار في سبعينيات القرن الماضي قصته الشهيرة “الشهداء يعودون هذا الأسبوع” بعد أن تفاجأ بحجم البيروقراطية الموجود في الدوائر الحكومية الجزائرية غداة الاستقلال إذ تخيّل ردة فعل الشهداء وهم يعودون إلى الجزائر التي قدّموا حياتهم من أجلها ومن أجل أن يحيا فيها المواطن الجزائري حياة حرّة وكريمة. كان المغزى من القصة الإجابة على سؤال بسيط في تركيبته، جوهري في معناه: ما موقف الشهداء ممّا آلت إليه جزائر الاستقلال؟ 

لا أدري لماذا استحضرت سؤالا مشابها وأنا أقرأ كتابا عن المناضلات الجزائريات إبان الثورة الجزائرية، فمنهن من استشهدن خلال حرب التحرير وأخريات انتقلن إلى الرفيق الأعلى قبل بضع سنوات، أي أنهن لم يعشن في عالم ما بعد 7 أكتوبر 2023. تساءلت وأنا أقف متأملة بين ماض ثوري بعيد وحاضر خانع مأساوي: ماذا لو عادت تلك المناضلات إلى الحياة؟ ما الذي ستقلنه عمّا يحدث في فلسطين الآن؟ هل ستكفرن بالمٌثٌل التي آمنّ بها في زمن مضى؟ هل ستقاومن من جديد من أجل قضية فلسطينية عادلة؟ أم ستكتفين بالقول “ما أشبه الحاضر بالماضي” وتعدن أدراجهن إلى عالم أقل صخبا وأكثر وعيا؟

أكتب ما أكتبه بقلم امرأة وبقلب امرأة وبوعي امرأة، لا أدري سبب فخري وحماسي تجاه هذا الجندر المشؤوم والمغلوب على أمره عبر العصور، فرغم الدور الجوهري الذي لعبته حواء في تكاثر البشرية واستمرارها، لا تزال في المخيال الجمعي تلك المرأة المخلوقة من ضلع أعوج والمتسببة في طرد زوجها آدم من الجنة. وليس حال بنات حواء بأفضل من حال أمّهن، مهما عظمت تضحياتهن وسالت دماؤهن في سبيل الحرية والكرامة، ويكفي أن نضرب مثلا بالمناضلات الجزائريات غداة الاستقلال حين صفّر رفاق الأمس من الرجال معلنين نهاية شوط الثورة وبداية شوط الاعتناء بالمنزل والمطبخ والأولاد، ورغم السياسة الاشتراكية التقدمية التي تبنتها الدولة الجزائرية وقتها إلاّ أن الذهنية الذكورية كانت أقوى وأشرس والمقاومة النسوية أضعف وأقل حيلة من القدرة على مجابهة موروث ثقافي يكاد يعادل بين إنجاب البنات وارتكاب الخطايا.

لم ينصف المجتمع الجزائري مناضلات وشهيدات الثورة الجزائرية حين علّم أبناء الاستقلال تاريخ البلد، ليس لأنه أنكر كفاح المرأة ودورها في مقاومة المستعمر، بل لأنه فضّل السكوت عن التفاصيل النسائية في المعاناة التي تكبّدتها تلك المرأة تحت وطأة الاستعمار. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يُذكر في كتب التاريخ والمناهج المدرسية والمحاضرات الجامعية الاعتداءات الجنسية واغتصاب النساء المعتقلات في السجون الفرنسية، حيث اكتفى المتحدثون بالتعبير عن ذلك قولا أو كتابة بمصطلح “التعذيب” تفاديا الاقتراب من منطقة محرّمة في تركيبة بعض المجتمعات التي ترى في جسد المرأة شرف الرجل المسؤول عنها. الاعتراف إذاً بحالات الاغتصاب وإقرارها علنا هو مساس بكرامة وعزّة الرجل الذي فضّل عدم الخوض في هذه المواضيع الشائكة فغيّبها وغابت معها تفاصيل الكفاح النسوي الجزائري.

ماذا عن معاناة المرأة الفلسطينية اليوم؟ أين هي تفاصيلها في خضم هذا السيل العارم من الأخبار القاسية والمشاهد المريعة لضحايا الكيان الصهيوني الذي لا يملك أدنى درجات الإنسانية في تعامله مع المواطن الفلسطيني؟ شاهدت الكثير منذ 7 أكتوبر 2023 وقرأت العديد من الأخبار والتحليلات التي باتت تتعامل مع الضحايا الفلسطينيين كمجرد أرقام، كلّما زادت، زادت معها أهمية الخبر. يتداول الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات الأطفال المقتولين والجرحى في المستشفيات والمخيمات، وفيديوهات أخرى لعائلات فلسطينية نازحة لا تجد مأوى ولا زاد، وأمهات ترثي أبناءها وبنات تبكي أهلها. كلّها مشاهد تدمي القلوب ولا تعكس سوى جزءا من آلام المجتمع الفلسطيني الذي يباد على مرأى العالم في حين يسكت البعض ويفاوض البعض ويتاجر البعض وتصرخ شعوب في الساحات والشوارع دون أن يصغي إليها أحد. مع كل هذا، يبقى دور المرأة الفلسطينية ومعاناتها شبه غائبين في هذه الهجمة الوحشية التي دخلت شهرها الثامن. أتساءل بكل سذاجة إذا ما كان غيري يدرك معنى أن تعيش المرأة أيام دورتها الشهرية في ظل انعدام الماء والفوط النسائية وأبسط شروط النظافة؟ هل يقف العالم لحظة ليتمعن في الحالة النفسية والجسدية للمرأة التي تعيش ألام الحيض أو الولادة أو النفاس في المعتقلات الإسرائيلية أو في السجن المفتوح المسمى “قطاع غزة”؟ ما الذي يدور في ذهن امرأة تضع مولودا وهي تدرك عجزها عن حمايته؟ أية مشاعر تنتابها وهي تدفن أنوثتها مع إعلان خبر وفاة الحبيب أو الزوج؟ ماذا عن التحرّش الذي تتعرض له المعتقلات الفلسطينيات خلال التحقيق؟ من يجرؤ على فتح ملف اغتصاب النساء في السجون الإسرائيلية؟

أتصفح منصات التواصل الاجتماعي وأشاهد القنوات التلفزيونية فأجدها مليئة بمدربي الحياة والأخصائيين النفسانيين وهم يطرحون موضوع “الصحة النفسية”، بات الأمر موضة والكل يدلو بدلوه ويتغنى بأهمية استشارة معالج نفسي عند أول إرهاصات الاكتئاب والتعب النفسي، وكم كنت أتمنى أن أسمع تحليلا عن الصحة النفسية للمرأة الفلسطينية في هذه الظروف المأساوية. لكنني وبعد أن تخيلت عودة المناضلات الجزائريات إلى عالم ما بعد 7 أكتوبر 2023 قلقت لوهلة على الأثر الصادم الذي قد يحدثه هذا العالم على نفسيتهن، فرغم صعوبة الفترة الاستعمارية التي عاشتها الجزائر، إلا أن الاحتضان العربي والإفريقي وكذا الجنوب أمريكي للثورة الجزائرية كان داعما حقيقيا وباعثا على الأمل في انتصار القضية الجزائرية، أما ما نشهده حاليا من تبجح إسرائيلي بالبطش والإبادة بدعم أمريكي أوروبي مقابل عجز بقية العالم على التصدي لهذه الجريمة الإنسانية فتلك عقوبة إعدام في حق كل المثل و القيم التي تغنينا بها في زمن مضى، غير أنني أخذت نفسا عميقا و قلت في نفسي: وما أدراكِ؟ لعل تفاصيل الماضي الغائبة أو بالأحرى المغيّبة عن تاريخنا تحمل في طيّاتها من الفظاعة والوحشية ما يجعل الحاضر نسخة منقحة لا أكثر عن ذلك الماضي الذي عاشته مناضلاتنا!

أغمضت عيني جيدا وطمأنت نفسي: “في كل الأحوال، ما تتخيلينه غير قابل للتحقيق فلا تضعي فرضيات لوضع سريالي…”   

spot_imgspot_img