فاتنة، امرأة في التاسعة والسبعين من العمر من مراكش، استيقظت في وقت متأخر من يوم الجمعة 8 سبتمبر/أيلول على الساعة 11 مساء. بكت في حالة من الذعر والحيرة وهي تشاهد جدران منزلها تتشقق بسبب الموجات الزلزالية غير المتوقعة. وبعد هروبها إلى بر الأمان، استغرقت لحظة للصلاة من أجل حظها السعيد، وهي ضربة حظ لم يحظ بها الآلاف من مواطنيها في تلك الليلة.
نام مئات الآلاف في العراء بعد أن ضرب زلزال بقوة 7 درجات عدة مناطق في المغرب. وكان مركز الزلزال في ولاية الحوز وسط جبال الأطلس حيث يقع جبل توبقال ثاني أعلى جبل في إفريقيا. وتجاوز عدد القتلى حاجز الـ 2900 قتيل، وتضرر أكثر من 300 ألف مدني، بينهم 100 ألف طفل. ويعرف إقليما الحوز وتارودانت الجبليان – اللذان عانيا من أكبر قدر من الخسائر – بظروف سكنية سيئة تتمثل في العديد من القرى المهمشة المبنية بشكل رئيسي بالطين والطوب اللبن.
يقول علماء الزلازل إن هذا الزلزال لم يكن من المفترض أن يسبب مثل هذه الأضرار الجسيمة وعدد كبير من الوفيات. على الرغم من ضربه بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، على غرار زلزال تركيا وسوريا الذي بلغت قوته 7.8 درجات، كان خط الصدع في زلزال المغرب أصغر بعشر مرات من زلزال تركيا وسوريا، لقد كان أضعف بكثير في القوة وكانت يشع طاقة أقل بكثير.
لا يمكن لمقياس ريختر أن يفسر بشكل كامل الآثار الكارثية لزلزال الحوز، لأنه يقيس فقط قوة الزلزال عند مصدره، بغض النظر عن مكان إجراء القياس. كما أن حجم الزلزال لا يعكس دائمًا شدته بدقة. ونتيجة لذلك، يستخدم علماء الزلازل والجيولوجيون ومخططو الطوارئ مقياس شدة ميركالي المعدل (MMI) لتقييم تأثير الزلازل على البيئات المحلية والأنشطة البشرية.
وضعت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) مركز زلزال المغرب وفق مقياس ميركالي في المرتبة الثامنة، حيث يتميز بالاهتزاز “الشديد“، وهو تصنيف أقل بدرجتين فقط عن الفئتين “العنيفة” و“المتطرفة” في فئات المقياس.
ضحايا الفقر
ويأخذ هذا القياس في الاعتبار مدى خطورة الأضرار التي لحقت بالمباني سيئة البناء مقابل الأضرار الطفيفة في المباني المصممة خصيصًا لتحمل الكوارث الطبيعية؛ بمعنى آخر، يأخذ في الاعتبار أن الفقراء هم الفئة الأكثر تضرراً.
تشير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أيضًا إلى أنه على الرغم من أن هذه المنطقة معرضة بشدة لاضطرابات الزلازل، فإن أنواع المباني الأكثر عرضة للخطر هي المساكن المبنية من الطوب اللبن وتلك المشيدة بالطوب والطين غير المقوى، والتي لن تتحمل أدنى الهزات الزلزالية.
نتيجة لذلك، انهارت قرى بأكملها، بينما دمرت أو حوصرت قرى أخرى بسبب الانهيارات الأرضية والصخور المتساقطة. باختصار، لم يكن النشاط الزلزالي هو الذي قتل الناس، بل كان الافتقار إلى الهياكل المعيشية المناسبة بسبب الهشاشة والتهميش.
وفي مكان غير بعيد عن المغرب، يقدر عدد القتلى في ليبيا بما يتراوح بين 4000 و11000 شخص بعد أن ضربت العاصفة دانيال سواحلها وتسببت في أضرار جسيمة، خاصة في درنة حيث انفجر سدان، ما أدى إلى أكبر عدد من الوفيات، في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا الغنية بموارد النفط والطاقة، والتي من حرب أهلية وصراع عسكري منذ غزو حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 2011.
بتفويض من الأمم المتحدة، أطاحت قوات “الناتو” بنظام معمر القذافي وألقت البلاد في صراعات مسلحة مدفوعة بالمصالح الجيوسياسية للقوى الأجنبية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا.
كان سدا البلاد وأبو منصور هما الخزانان الوحيدان لمياه الأمطار اللذين يزودان سكان مدينة درنة الجبلية البالغ عددهم 300 ألف نسمة بالمياه اللازمة للشرب والزراعة. ولم يتم إصلاح كلا السدين منذ عام 1986، في الوقت الذي أدى التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي والصراع المسلح الإمبريالي إلى تحويل الليبيين عن تلبية احتياجاتهم من البنية التحتية.
الجوع لا زال يقتل
الجوع عدو آخر لشعوب شمال إفريقيا. فمن المغرب والجزائر إلى تونس، تعد “انتفاضات الخبز” حدثًا شائعًا وجزءًا من التجربة المشتركة بشأن كيفية تشكيل النضالات الشعبية ضد الجوع تاريخ البشر وذاكرتهم الجماعية.
في عام 1864، قاد علي بن غذاهم الماجري تمردا واسع النطاق قام به الفلاحون والقبائل التونسية ضد مرسوم الحكومة برفع الضرائب المفروضة على القبائل الفقيرة من ممثل الإمبراطورية العثمانية صادق باي، لاحقا تم سحق هذه الثورة الوليدة، لكن بن غذاهم أثر في نضالات الأجيال التالية وظل ذكره بصفته “باي الشعب” هو الروح الدافعة للتونسيين.
التدافع المستمر على إفريقيا بقيادة الشركات الغربية المتعددة الجنسيات والحكومات والجيوش قاد إلى الحفاظ على تبعية إفريقيا وتقليص قدرات شعوبها على التغلب على الفقر والجوع والظروف المحفوفة بالمخاطر.
ومع تدهور الوضع مع تنفيذ السياسات النيوليبرالية وبرامج التكيف الهيكلي، شهد عام 1981 “انتفاضة كوميرة” وهي واحدة من أكبر التمردات الحضرية في تاريخ المغرب، حينما تدخل الجيش الملكي بالذخيرة الحية لمواجهة المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بسعر عادل للكوميرة، وهو نوع من الخبز الفرنسي الذي كان الغذاء الأساسي لفقراء شمال إفريقيا.
اليوم، يمكن رؤية طوابير طويلة من الناس على أبواب المخابز في تونس العاصمة، جميعهم ينتظرون دورهم لشراء الخبز الفرنسي الذي أصبح باهظ الثمن إلى حد جنوني ويصعب العثور عليه مع تفاقم الأزمة الاقتصادية.
تونس بلد غني بالمعادن، فضلا عن الموارد البحرية والزراعية، ولكن سنوات من الفساد وبرامج صندوق النقد الدولي أدخلت البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية. وفي مواجهة ظروف مماثلة، أطلق الشعب التونسي “انتفاضة الخبز” في 29 ديسمبر 1983، مباشرة بعد أن أعلنت حكومة محمد الصالح مزالي خفض الدعم عن المنتجات الأساسية بما في ذلك الخبز امتثالاً لضغوط سياسة صندوق النقد الدولي.
الناس يتمردون دائمًا على ظروف التدهور والحرمان. ويعتمد مصير الانتفاضات الشعبية على أهدافها التاريخية والظروف الذاتية لحركات الشعوب.
كان الوضع السياسي الحالي وتحديات نضالات الشعوب موضوع “المؤتمر الإقليمي لمعضلات الإنسانية في المنطقة العربية والمغرب“، الذي انعقد في مدينة الحمامات الساحلية في تونس، في الفترة من 1 إلى 4 أيلول/ سبتمبر الجارري، اجتمع حوالي 100 ناشط من 12 دولة – بما في ذلك القادة السياسيون والمثقفون وأكثر من 50 حركة شعبية – لمواجهة قضايا مثل الجياع المصطفين والأشخاص الذين أصبحت مساكنهم معرضة بشدة للكوارث الطبيعية.
كان المؤتمر بمثابة لحظة للتبادل، وإضفاء الطابع الاجتماعي على تجارب النضالات الشعبية وتبادل وجهات النظر حول المواضيع التالية: القمع السياسي والنضال من أجل الحريات الديمقراطية، ونضالات الشباب المناهضة للإمبريالية، والرأسمالية والأزمة البيئية، والسيادة الغذائية والحق في الأرض، النضال من أجل تحرير المرأة، والنضال النقابي.
واختتم المؤتمر بالالتزامات بمشروع شعبي للنضال ضد الرأسمالية والإمبريالية والصهيونية، من أجل التحرر الوطني وبناء الاشتراكية، الطريق الوحيد لتحرر الإنسان والعدالة الاجتماعية.
واختتم المؤتمر بالالتزامات بمشروع شعبي للنضال ضد الرأسمالية والإمبريالية والصهيونية، من أجل التحرر الوطني وبناء الاشتراكية، الطريق الوحيد لتحرر الإنسان والعدالة الاجتماعية.
وبينما يمكن للمرء أن يستسلم بسهولة لليأس، فإن المشاعر السائدة بين شعوب المغرب العربي ترتكز على الشعور بالبقاء صامدين في مواجهة المأساة.
وكما تختتم قصيدة “نخلة واد الباي“، التي تتحدث عن انتفاضة عمال الفوسفات في الحوض المنجيمي بمدينة قفصة بتونس عام 2008، بما يلي: “تزول الجبال الرواسي.. وما يزول شعبي في يوم“، يظل هذا الشعور يشعل فتيل مقاومة الشعوب حتى اليوم.
كتب المقال من المغرب:
غسان كومية
تم نشر المقال باللغة الإنجليزية عبر موقع TheTricontinental في هذا الرابط:
People Never Die of Natural Disasters, They Die of Precarity and Marginalisation. The Fourth Pan-Africa Newsletter (2023)