بعد اندلاع الصراع الدامي بين القوات المسلحة السودانية، برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، برئاسة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اكتشف مستخدمو التواصل الاجتماعي أن أحد مديري الحساب الرسمي لحميدتي، ينشر من دولة الإمارات. أثار الاكتشاف دهشة الكثيرين، لكن بالنسبة للسودانيين، لاسيما الموالين للجيش، فالخبر ليس مثيرا للدهشة، فالجميع يعلم بهذه العلاقة القوية التي تربط حميدتي وأبو ظبي.
في السودان، الكل يعرف مدى تورط الإمارات في الصراع، ولماذا تربط الكثير من الانتقادات ضد حميدتي على مواقع التواصل الاجتماعي، انجراره للحرب بعلاقته بالإمارات. خاصة مع حجم الدعم الذي توفره الإمارة الخليجية للرجل الثاني القوي في الخرطوم.
اليمن.. نقطة البداية
العلاقة بين حميدتي والإمارات طويلة وتاريخية، بطول الحرب في اليمن، وترتكز على الدور الذي لعبه في جلب مرتزقة للقتال لصالح أبو ظبي ضد الحوثيين، هكذا حدثتنا أماني الطويل، الباحثة في الشؤون السودانية ورئيسة البرنامج الإفريقي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. في مارس ٢٠١٧، اعترف حميدتي في تصريحات صحفية أن ٤١٢ مقاتلا سودانيا، بينهم ١٤ ضابطا، قتلوا خلال المعارك في اليمن. أما جماعة الحوثيين، فقد أعلنت من جانبها تجاوز قتلى القوات السودانية لحاجز الم ٤ آلاف مقاتل.
تضيف الباحثة، “تطورت العلاقة بين حميدتي والإمارات مع انطلاق الثورة ضد عمر البشير نهاية 2018، حيث دعمت الإمارات حميدتي للعب دور أكبر في الفترة التالية في السودان”.
دعم الإمارات لحميدتي ليس بدون مقابل. منذ الثورة ضد البشير، أظهرت الإمارات رغبتها في وضع يدها على السودان، تلك الدولة الواقعة على البحر الأحمر، حيث تجاهد الإمارات للسيطرة على الموانئ والتجارة البحرية على الخط البحري الهام.
في 13 ديسمبر من العام الماضي، وقعت الإمارات اتفاق مع الحكومة السودانية لإنشاء ميناء أبو عمامة، ومنطقة اقتصادية على البحر الأحمر باستثمارات تقترب من ٦ مليارات دولار. يضم المشروع أيضا مطار ومنطقة تجارية واستثمارات لزراعة مناطق قريبة.
حليف مسلح لغرس قدم في السودان
هذه الرغبة في وضع قدم في السودان وضخ استثمارات ضخمة كان يلزمها وجود حليف قوي على الأرض، كان حميدتي الخيار المثالي أمام أبو ظبي، نظرا للدعم الذي قدمه لها في الحرب في اليمن ومدى مرونته أمام القيادة الإماراتية.
تلاقت مساعي الإمارات مع طموح أظهره حميدتي بلعب دور أكبر والخروج من عباءة رئيس المجلس السيادي في السودان، البرهان. خلال الأعوام التالية للثورة، عمل على إنشاء علاقات قوية على الساحة الدولية، لاسيما الإمارات وروسيا.
أصبح الرجل موجودا ويتحدث مع وزراء وقيادات دول أخرى. في فبراير من العام الماضي، يجري زيارة إلى موسكو ويلتقي بنائب وزير الدفاع الروسي، مع انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية. عام يمر، ويجد السودانيون، حميدتي يتحدث من أبو ظبي، ويجري مباحثات مع نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي، منصور بن زايد أل نهيان، بشأن العلاقات الثنائية الوثيقة وسبل تعزيزها وتطويرها، بما يخدم المصالح المشتركة.
زاد من أهمية حميدتي، كونه قائد مجموعات مسلحة في دولة واقعة على قرب من منطقة الساحل المضطربة التي تشهد تصارع نفوذ كبير بين القوى الغربية من جهة وروسيا من جهة، مع دور أقل للإمارات.
ابحث عن الذهب والمعادن
لكن سيطرة حميدتي على موارد معدنية هامة في السودان، لاسيما الذهب، أعطى بعدا أكبر لأهمية حميدتي بالنسبة للمسؤولين في الإمارات، بحسب الباحثة. خلال العام الماضي، اشترت الإمارات جميع صادرات الذهب التي انتجتها السودان، بقيمة ١.٣ مليار دولار، جزء كبير من هذه الأموال ذهبت إلى حميدتي الذي يضع يده على أكبر مناجم الذهب في البلاد، في منطقة جبل عامر، بدارفور، غربي البلاد. جاء اكتشاف اليورانيوم بكميات كبيرة في البلاد، منذ عام ٢٠١٨، ليزيد من أهمية ال
لم يعد دور قائد “الدعم السريع” قاصرا على تجنيد مقاتلين للحرب في اليمن لصالح الإمارات، أصبح لقائد قوات الدعم السريع غير العسكرية، أهمية أخرى: حماية الموارد المعدنية التي تحظى بها الإمارات وتأمين تمريرها للإمارات، وكذلك روسيا.
بجانب الإمارات، كانت روسيا حاضرة في الاستفادة من الذهب السوداني. في العام الماضي، كشف تحقيق استقصائي نشرته شبكة “سي أن أن” أن ذهب بمليارات الدولارات تم تهريبه من السودان عبر شركات روسية تقوم بالتنقيب وإنتاج الذهب، ثم نقله عبر طائرات، دون المرور بالإجراءات الرسمية لبنك السودان المركزي. ووفقا للتحقيق، فإن الذهب تم تهريبه عبر مرتزفة عبر الإمارات، حيث يتم بيعه إلى دول العالم، في وسيلة لروسيا للهروب من العقوبات الغربية بشأن حربها في أوكرانيا.
توضح الباحثة أماني الطويل، “هذا الدور والعلاقات الداعمة، ينعكسان في الاشتباكات الحالية، ومؤثرة لصالح حميدتي. العلاقات بين الطرفين، وأيضا مع فاجنر الروسية، قائمة على علاقات تدريب وعلاقات استغلال الذهب والقيام بأدوار في منطقة الساحل”.
جعل هذا الدعم الإماراتي لحميدتي، من هذه الدولة المقصد الوحيد التي من خلالها يمكن للمجتمع الدولي. التفاوض والوصول إلى قائد قوات الدعم السريع لوقف القتال. ومن أجل إطلاق سراح القوات المصرية التي وقعت في يد قوات حميدتي، في بداية الاشتباكات في قاعدة مروي، شمالي البلاد، كانت الإمارات هي الوسيط المثالي الذي يمكن أن يحقق تحرير القوات بدون خسائر.
لا يأتي المدنيون السودانيون ضمن هذه الحسابات. بل أصبح عليهم دفع ثمن من دمائهم واقتصادهم ومعيشتهم لهذا التشابك بين المصالح الداخلية والدولية، دون أن يتمكنوا من إيصال صوتهم. تكشف الأرقام الناجمة للحرب، فداحة الخسائر للشعب السوداني.
تحولت العديد من المدن إلى مدن أشباح، بينما تنتشر الجثث المتحللة في الطرقات. قتل المئات من المواطنين المدنيين، دون التمكن من الحصول على أرقام للضحايا الكلية للحرب حتى الآن. لا يجد الكثير من المدنيين أمامهم سوى النزوح من مناطق النزاع إلى مناطق أخرى، أو الهرب خارج البلاد. وضع محزن لدولة يحظى بثروات معدنية واقتصادية هائلة.